وقد شاهدت عين البعض مما ذكر وصور البعض في كتب المعتنين بذلك الشأن، وكالرسوم والأعمدة والقوائم الضخمة التي يستدل ببقائها من زمان نشأتها القديم إلى رمان الوقوف عليها على أنها منظور إليها بعين العناية والاعتبار والرعاية والرسوم والأطلال مع ما رقم عليها، وسيمر بك بعض ذلك إن شاء الله فترقب، وكل ما يشهد لحقيقة الأمر وينتفى به الشك في حكاية الواقع.
ثم بعد تحصيل الناظر في هذا الفن لهذه الأصول فعليه أن يعضدها بأصل رابع وهو التثبت والتحرى ولزوم الصدق وعدم الميل مع غير الحق حتى يتجرد بالكلية، عن الأغراض الشخصية، والمحاباة والحمية، وحكاية غير الواقع ونسبة الأمور والواقع ونسبة الأمور والوقائع لغير أربابها، إذ بالتثبت يثمر مقاله، ويزكو بين البرايا حاله، وبالعلم ينفذ من مهاوى السقوط في الزلات والأغاليط، وبالأمانة تنتفى عنه الشهوات والأغراض، فيتكلم بلسان الحوية، متجافيا عن الشهوات النفسية، وواقفا عند حد العدل والمدنية.
ولا غرو أن فحول المؤرخين قد استوعبوا أخبار ما تكلموا عليه من أيام الأمم وسطروها على صفحات الدفاتر، ولكن خلطها المتطفلون بدسائس من الباطل لاحظوها بطرف فاتر، ولفقوها بزخارف واهى الروايات، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال في تلك الحكايات، ولم يرفضوا ترهات الأقاويل، ولم يميزوا بين الصحيح وما ليس عليه تعويل، فتحققهم في أمرها قليل، وطرف تحقيقهم في الغالب كليل.
وعن ذلك نشأ ما حشيت به التواريخ من كثرة الدخيل، الذى لا يلتفت إليه إلا سقيم الإدراك عليل، ولا يؤبه به لا في قبيل ولا في دبير.
والغرض من التنبيه على هذا تحذير مطالع التواريخ من التعويل على كل قيل، والبناء عليه من غير تفرقة بين صحيح أصيل، وباطل دخيل.