المعطي ويوصيه بمخالفة المترجم والغض منه والتضييق به وعدم المبالاة فأظهر له من الغلظة والجفاء امتثالا لما أمر به ما زاده حنقا، وأخذ لنفسه بالأحوط، فكان كما ازداد الوزير غلظة وجفاء للمترجم زاد في إظهار اللين وخفض الجناح والخضوع والانحياش له ولأخيه السيد محمَّد الصغير وزير الحربية وهو يتربص بهم الدوائر وهم لا يشعرون، بل يعتقدون أن زمام الأمر بيدهما وأن الجو خلا لهما حتى صمم السيد محمَّد الصغير المذكور على القبض عليه بالرباط فمنعه من ذلك أخوه الصدر الحاج المعطي، وقال لا يسمع علينا أننا عقب موت السلطان فتحنا باب الشهوات والتوصل إلى الأغراض الشخصية، على أنه لا شيء بيننا وبين هذا الرجل والسلطان الذي كان يأمرنا بمضادته وعدم اعتباره قد لبى داعي مولاه.
هذا والمترجم يدبر لهما الحيل ونصب شبك المكايد القاضية عليهما بالقاضية، فنسب لهما الخوض فيما لا تحمده عقباه.
من ذلك أنه لما لبي السلطان مولانا الحسن داعي مولاه وبويع لولده المولى عبد العزيز بالمحل المعروف بالبروج من قبيلة بني مسكين استبد بالرأي دونهم، وصار يتداخل فيما هو خارج عن خطته اعتمادا على ما يعلمه من اختصاصه بالسلطان المولى عبد العزيز وتيقنه بعدم خروجه عن أمره، وأنه لا يركن لأحد سواه، وكان يعلم ذلك كل من له أدنى مسكة من بقية الوزراء، ولذلك تسارعوا لمحالفته، وتعاهدوا على تعزيزه ونصرته، والتزم هو لهم ببقاء كل واحد منهم بمحله وعلى وظيفه ما عدا الحاج المعطي الصدر ومحمَّد الصغير وزير الحربية، فإنهما كانا على خط مستقيم في مخالفته ومضادته، فأشاع عليهما أنهما يرغبان الناس في نقض بيعة السلطان المولى عبد العزيز المذكور وهما في سكرتهم يعمهون، لا يعلمان أن المترجم لهما بالمرصاد يترقب انتهار الفرصة في المكر بهما ولا يصده عن ذلك إذ ذاك إلا خوف انتشار الفتنة لقوة حزبهما من جيش شراكة وأولاد جامع والقوة الحربية كلها تحت سيطرتهما.