ولما فشا ما رماهما به من خلع السلطان استفتى العلماء في شأنهما وقرر لهم أن مرادهما شق العصار وافتراق كلمة الجماعة، فأفتى البعض بالقتل والبعض بالتخليد في السجن وأسر ذلك في نفسه ولم يبده لهما ورأى أنه لا يتم له مراده فيهما إلا بعد حلول السلطان عاصمة سلفه المكناسية.
ولما نهض السلطان من الرباط صمم أولاد الجامعي على التوجه لفاس وقالا: إنها قاعدة المغرب، وصمم المترجم على التوجه لمكناس، وقال: إن العادة قاضية بالمرور بها لكونها دار الملك ومقر الجيوش ووسيلة لزيارة مولانا إدريس الأكبر، فجنح السلطان لما صمم عليه صاحب الترجمة وزيف قول غيره.
ثم لما حل السلطان بعاصمة سلفه المكناسية، دخل عليه وهو على أريكة ملكه الوزير الصدر الحاج المعطي المذكور بصكوك الأوامر السلطانية على عادة الوزراء في تقديم المكاتب للتوقيع عليها، فأمره السلطان بدفعها للمترجم فامتنع وأبى، وطلب الأمير بالتمشي معه على العرف المألوف الذي كان يتمشى معه عليه والده السلطان المقدس، فقال السلطان مجيبا له: افعل ما آمرك به فغضب وترك الصكوك مطروحة بإزائه وخرج، فعند ذلك تم للمترجم ما أراد فأمر الأمير قائد مشوره وهو إذ ذاك إدريس بن العلام البخاري بأن يأمر الوزير الجامعي بالانسلاخ عن كل ما يرجع لوظيفه ولزوم داره هو وأخوه، وذلك أمر دُبِّر بليْلٍ.
وكان من جملة ما خاطبهم به رئيس المشور المذكور، على لسان السلطان المنصور، قوله: لقد طغيتم في البلاد وكَفَرْتم نِعَمَ ما أسْدَاه لكم مولانا المقدس من النعم، وارتكبتم بدل المجازاة بالإحسان العقوق، وقد بلغ سيدنا أيده الله ما صممتم عليه من شق عصا الطاعة وإيقاد نار الفتن، ولولا رعاية محبة سيدنا المقدس فيكم وقرابتكم منه لأذاقكم سيدنا شديد النكال وأليم العذاب، قوما اذهبا لحال سبيلكما، فلم يسعهما إلا الانصراف ولزوم محلهما، واتفق أن كان يوم طردهما عن شريف الأعتاب يوم الثلاثاء.