أن قسطاس العدل لا يقوم إلا على يده، وأنه قام يطلب ملك أبيه إذ هو أحق به من غيره.
وبذلك ازداد مكانة في قلوب الرعاع والذين لا يعلمون، وقوي استيلاؤه على بعض سخفة العقول ومن في قلبه مرض من طاعة المخزن، فالتفت عليه أولا سفهاء تلك القبيلة وبايعوه على نصرة الدين، ولما فشا أمره أهداه بعض أشراف تلك القبائل فرسا من عتاق الخيل وخباء وصار يكثر في كل مجتمع الثناء عليه فاعتز الأعيان بذلك، وتهافتوا عليه، وإذا أراد الله أمرًا هيأ أسبابه.
ولما رأى الزنيم إقبال الناس عليه وحصولهم في شبكة تدجيله وشعوذته وتيقن أن أفئدتهم هواء، أخذ عليهم المواثيق والعهود على تعزيزه ونصره وحمايته من كل من يرومه بسوء، فحالفوه على أن لا يخالفوه وأن يضحوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم دونه شأن ضعفاء الأحلام سخفة لعقول المتمسكين بأذيال كل دجال أفاك.
ولما حصل على ضالته المنشودة من الاستيلاء على عقولهم وتيقن بصلاح ما بذر في قلوب أولئك الأغبياء الأغمار من التمرد عن طاعة المخزن والعداوة والبغضاء له ولسائر أتباعه والمنتمين إليه، وكان من جملة من ركن إليه وقام بدعوته وتسابق إلى الإعلان بنصرته قبيلة غياثة، ولما تمت له البيعة بها تهافت عليه زعماء تلك النواحي من التسول والبرانيس وصنهاجة ومن جاورهم، فطير الإعلام بذلك عاملها وهو إذ ذاك الحاج عبد السلام الزمراني للحضرة السلطانية، وطلب إمداده بقوة عسكرية يبادره بها قبل اضطرام نار فتنته وتفاحش ضرره، فقوبل طلبه بالرفض ولم يرفع لمقاله رأْس، وأُهمل الثائر حتى استفحل أمره ونسلت إليه سماسرة الفتن والمتمردون من كل حدب وصوب.