ثم فارق الطيب البوشيخى أبا حمارة واستأذن معتمد الدولة بوجدة ابن الصادق المذكور في اللحوق به، فأذن له، وتوجه إليه وفي معيته رفيقه الأمير عبد المالك في طائفة من فرسانه، وكان منهم في خدمة السلطان وحاربه طائفة الفتان، ما سارت به الركبان، رغما عن كون أبي عمامة والد الطيب لم يرض عن صنع ولده وظل مواليا للفتان بسائر قبيله وأتباعه فكان عمدته في حروبه، ومساعده فيما ظهر بعد ذلك من الخطوب وقسيمه في ذنوبه، ثم وقع الخلاف والنكران، بين أبي عمامة والفتان، ففارقه أبو عمامة وأبعد النجعة بقومه ونزل بأطرف، الظهرة.
هذا ولما اتصل خبر مذبحة دار البوزكاوى بالثائر قصد محل وقوعها وضربه وعاث فيه، ثم نزل على وجدة وشب القتال بينه وبين المحلة التي بها، وكان الحرب سجالا ودام متواصلا بقية السنة وجزءا من سنة ثلاث وعشرين، ثم رجع الثائر لقصبة سلوان وخرجت المحال من وجدة وذهبت للمحل المعروف بالجزيرة قرب مليلة.
ثم رجع ركن الفساد أبو حمارة لبلاد الريف مكسور الجناح، في عناء وجناح، ثم رجع لنواحى فاس وتازا تارة في انطفاء وأخرى في انضرام والأموال الباهظة تصرفها الدولة في سبيله، حتى نضب ما في خزائن الدولة وفرغت أفئدة بيوت أموالها واضطرت للاستقراض من دول أوروبا بعد ثرواتها الضافية، واقترضت منهم فعلا مرات متعددة والرؤساء النهاب يملئون جيوبهم وأوعيتهم من الآلاف المؤلفة من الدراهم والدنانير إلى زمن الدولة الحفيظية.
ثم أفاق من نومته، وتوهم أنه آن زمان بلوغ أمنيته فنهض إلى بلاد الحياينة، وصار يشن الغارة المرة بعد الأخرى على القبائل المجاورة لفاس إلى أن بلغ لأولاد الحاج، فنظم السلطان المولى عبد الحفيظ جنودا مجندة من أبطال ذوى حزم وعزم ووجهها إليه، فلما التقى الجمعان كانت النتيجة بتبديد جموعه