"إن مولاى إسماعيل كان غير أكول قنوعا من كل شئ غير النساء محافظا على أمور ديانته محافظة تامة".
وقد كان عارفا بفلسفة التاريخ وأيام العرب وأنسابها وأحوال الأمم ووقائعها، إماما مرجوعا إليه في السيرة النبوية وضبطها.
استخلفه أخوه المولى الرشيد بفاس ومكناس فحسنت سيرته، ثم بويع له بالخلافة العامة بعد وفاة أخيه المذكور سنة اثنتين وثمانين وألف وهو إذ ذاك بمكناسة الزيتون كما في الترجمان المعرب، فوفد عليه علماء فاس وأعيانها وأهل القوة والبأس منها ببيعتهم، ثم تتابعت وفود القبائل المغربية على أعتابه ببيعتهم.
فنهض بأعباء الخلافة وأقام للعدل قسطاسا، ورتب أمور المملكة ودوخ البلاد سهلها والجبل، واستنزل العصاة من صياصيهم وقام في وجه الثوار الأقارب من إخوانه وبنى عمه وأولاده وغيرهم من الأباعد، وكان النصر حليفه.
وفتح من الثغور: المهدية والعرايش وأصيلة وطنجة، وضبط الأمور وبنى الدور والقصور والمساجد والرباطات والقلع في الغور والنجد من وجدة إلى وادى نون، وعمرها بالجنود السود لحراسة السبل وتأمينها ونزع السلاح والخيل من القبائل، ولم يترك شيئا من ذلك إلا لأهل الريف وآيت يمور من البربر والودايا وعرب المعقل وجيش العبيد، ومن نتج له فرس يكون للحكومة، وأمرهم بالاشتغال بالفلاحة والقيام على الماشية والاشتغال بما يعنيهم من صناعة وتجارة، فعظمت ثروة البلاد وكثر الروجان الذى لم يتقدم له نظير، وجمع أهل الذعائر من كل قبيلة وأودعهم سجونه فكانوا يخدمون في البناء مع أسارى الكفار ويبيتون في الدهاليس، فساد الأمن في دولته حتى كانت المرأة والذمى يسافران، المدة لطويلة في البلاد القفرة فلا يتعرض لهما أحد بسوء، بل ولا يسألهما من أين ولا إلى أين إلا ما كان من الحرس المكلف بتأمين السبل وحياطة المارة.