للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك فلعلك لم تجد من يقبل ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنه ظهرت فيه قريحة ومولع بقراءة الأمهات المختصر وغيره، فلا بد انظر وابحث عسى أن تجد من يصلح لذلك مادام الغصن رطبا فإن تعلم الصغر كالنقش في الحجر صح".

وذلك بعد مكثه مدة بدار خاله الوزير الصدر السيد العربى الجامعى ليكتسب اطلاعا على ما لم يطلع عليه غيره من أفراد العائلة الملوكية المقصورين على المكث بالدار العلية.

ومن اعتنائه به أن ضم إليه جماعة من كبراء السن من الخدام المطلعين على سير الملوك الذين أدركوا عصرهم وأمرهم بأن يكونوا يحدثونه بما شاهدوه وحفظوه من ذلك، فكانوا يجدون منه الرغبة الحارة في الاطلاع على ما عندهم من الأنباء زيادة على ما كانت تتوق إليه همته من تحصيل العلوم الدينية والأدبية والرياضية والاجتهاد في لقاء من له مهارة في العلوم وخصوصا أرباب العلوم الرياضية.

وجمع شتات المؤلفات من سائر الفنون حتى خصص جماعة وافرة من مهرة النساخين المتقنين، ولما جلس على أريكة الملك ازداد شغفه وولوعه بذلك، ولم يزل عمله مسترسلا على ذلك في عواصم المغرب مدة حياته فرفع بهذا العمل المفيد للعلم راية وأفاد المعارف خدمة جليلة.

ثم لما توفى جده المذكور وبويع لوالده ازدادت عنايته به ومثابرته على تعليمه ما يستحق به أن يكون أولى بنيه بولاية عهده، إلى أن ظهرت عليه ملامح النجابة والقيام بالمأمورية فاصطفى له من أعيان نبهاء الدولة وساستها ومهرة العلماء وقاداتها وعقد له على راية من صناديد الجيش الذين حنكتهم التجارب وتدربوا على الكر والفر ووجهه لقبائل الجبال من بربر نتيفة ومن جاروهم وكان على شاكلتهم من الانحراف عن الجادة، ولعرب السهل والسراغنة وبنى مسكين لما كان حصل في نظامهم من الثلم والخلل، وذلك عام ثمانية وسبعين ومائتين وألف.

<<  <  ج: ص:  >  >>