فقام بمأموريته أتم قيام وبرهن على نجدته وحسن إرادته وصدق فراسة والده فيه وأصلح ما كان اختل من النظام وبث روح الطاعة والخضوع لسطوة المخزن في قلوب تلك القبائل الشاردة، ورجع منصور الراية وهو إذ ذاك يسحب ذيول مطارف الشباب في سن يقضى عادة باستحالة ولوج ذلك الباب.
ولما قرت عين والده بأوبته ظافرا مصحوبا بسوابغ الآلاء والنعم واتضح له صدق فراسته فيه أخذ يدبر في عقد راية أخرى له أوفر من الأولى تنشيطا له وإظهارًا لترقيه، واعترفا بكفاءته، فعقد له عام ثمانين ومائتين وألف على جيش بقصد تمهيد قبائل قطر سوس الأقصى، وسياسة من دنا من تلك القبائل ومن استقصى، واختار له من صالحى العمال ومخلصيهم من يصلح لرفقته ويليق بديوانه، ومن العلماء صادق اللهجة والمقال العلامة أبا الحسن على المسفيوى، والنحوى البارع لطيف المذاكرة والمنادمة والمسامرة السيد محمد بن عزوز الرباطى، واستوزر معه الفقيه الكاتب الهين اللين المهذب السيد محمد بن دانى، ووجهه للقطر المذكور فتوجه والعناية تقدمه، والسعادة تخدمه إلى أن بلغ أقصى سوس ودوخ قبائله التي مضى عليها زمن طويل وهى معطلة من حلى طاعة الأمراء والسلاطين وأظهر من السياسة والدَّهَاء واللياقة ما سد عنه أبواب العتاب، ووحد وجهة والده إلى إيثاره بولاية عهده رغما على كل وسيلة كان يتوسل بها غيره إلى نيل تلك الولاية.
وكان في حركته تلك بلغ وادى ماسة بل جاوزه ثم ثنى عنان عزمه لباقى بلاد سوس مثل هشتوكة وهوارة وراس الوادى فدوخها ومهدها، واستخلص واجب بيت المال المرتب في ذممهم.
ثم ولى وجهه إلى الحضرة المراكشية ومر في طريقه على عمه المولى عبد القادر الذى كان مخيما بوادى القيهرة لاستخلاص ما توفر بذمم مزوضة ودويران وسكساوة ونتيفة ومتوكة وأولاد أبى السباع.