للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهنالك خرج أهل مراكش بأشرافهم وأهل رواياهم وطوائفهم وصبيانهم بألواحهم متشفعين، وفى العفو عما أجرموه راغبين وتفرق الباقون من أهل مراكش في الحدائق والجنات المكتنفة بنهج مرور السلطان للمطارحة على وجه الصعيد أمامه طلبا لعفوه ورضاه.

ثم إن بعض الأوباش ومن لا خلاق له تعرض للعامل المذكور وشهروا السلاح في وجهه ومنعوه من الخروج للقى السلطان، فاتصل بالسلطان ذلك الخبر فثار غضبه وتحفز للوثبة عليهم وأمر بالاستعداد لذلك، فلجأ القوم بأخبية العلامة مولاى العباس ليتدارك الأمر قبل إنتاجه، فانشال عن صهوة فرسه وقبل الأرض أمامه ولم يزل يستعطفه إلى أن سكن غضبه وعفا وصفح وسامح.

ثم في ثامن عشر ربيع النبوى عام تسعين ومائتين وألف عقد لصاحب الترجمة على جيش عرمرم أكبر من الجيوش والرايات التي قبله، ووجهه لقبائل حاحة لرتق ما فتقوا وجمع ما فرقوا لهجومهم على عاملهم وهمهم بالإيقاع به حتى خلص ناجيا بنفسه وعياله، وهو إذ ذاك القائد محمد ولد الحاج عبد الله أبهى، وبقيت القبيلة المذكورة فوضى لا رئيس لها، ولم يزل المترجم يعالج أمرهم طبق ما تقتضيه الظروف من شدة ولين إلى أن انقادوا كلهم ودخلوا في سلك الطاعة أفواجا، كذا في البستان الجامع لكل نوع حسن.

ثم إن السلطان عراه انحراف في مزاجه إلا أنه لم يمنعه من التحرك ومباشرة الأشغال، ثم إنه تناول أكل شئ من التين الرطب ولبن النوق فألم به بسبب ذلك ألم حاد، ألجأه إلى استعمال المسهل فلم ينجع، فكرره فأصابه خفقان مترادف وكان ذلك يوم الاثنين خامس عشر رجب عام تسعين، وبقى الألم بحاله ولكنه لم يمنعه عن الخروج ومباشرة الأشغال بنفسه، ولما كان زوال يوم الخميس دخل للغرفة المعدة للآلات التوقيتية فختمت بها أنفاسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>