للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما تلى هذا الكتاب على مسامع الخاصة والعامة فهم السفهاء منهم غير المقصود، وتوهموا أنه إيعاد لهم وتهديد، وأمر جازم برد ما نهب من دار بنيس، فتجمهروا واجتمعوا وسط مسجد القرويين وخافت الناس الفتنة ثانيا، ومد اليد في الأسواق ودكاكين التجار، وكثر اللغط وارتفعت الأصوات، واكتظ المسجد المذكور وما اتصل به من الطرقات بالأخلاط والأوباش، واتخذ المثرون العسس على أبواب دورهم ودكاكينهم، ووقع الناس في حيص بيص، ودخل المولى محمد القاضى والعامل السراج وبعض الأعيان من العلماء لمقصورة القرويين للمفاوضة في كيفية مقاومة تيار الغوغاء الذين لا يتدبّرون العواقب، وبعد المفاوضة وإمعان النظر في وجه الخلاص، اتفق رأيهم على أن يوجهوا لبنيس للحرم الإدريسى من يطلب مسامحته فيما نهب من داريه، ويخرج من الحرم آمنا، وعينوا للذهاب إليه الشريف أبا عبد الله محمد بن أحمد الصقلى، وأبا العباس أحمد بن محمد بن الحاج السلمى المذكور آنفا، وبيتا على التوجه إليه صبيحة الغد الذى هو يوم الجمعة، فتوجهوا إليه في عاشرة النهار ووجدوا معه جماعة من الأعيان وطلبوا منه الخلوة معهم ليفضوا إليه بكلام حملاه إليه، فأمرهم بالإفضاء إليه أمام جلسائه بما شاءوا، فسلوه ووعظوه وبالغوا في استعطافه في المسامحة، فأبى كل الإباية وصرح لهم بأنه ضاع له أضعاف ما ببيت المال.

ولما لم يسعف بنيس رغبة الراغبين، توجه القاضى مولاى محمد صبيحة يوم السبت للخليفة السلطانى مولاى إسماعيل وأخبره بما راج، واقترح عليه أن يوجه للشرفاء وأعيان البلد وعاملها ويعرفهم بأن مراد السلطان في كتابه لهم إنما هو الإغراء على الانكفاف والزجر عن العود خوفا من أن يقع للغير ما وقع لبنيس، وليس المقصود من الكتاب السلطانى رد ما نهب الناهبون.

<<  <  ج: ص:  >  >>