المنافسة والعداوة والبغضاء بالغة منتهاها، يطمع كل واحد منهما في ضم حكومة الآخر لحكومته، ويرى كل أنه الأحق والأولى بالتفرد بالرياسة.
ولما سارت المحلة على طريق آنكاد قاصدة وجدة، قام في وجهها ابن البشير المذكور في جموعه ذات العدة والعدد، وناوشها القتال فرعبت ورأت أنها لا طاقة لها بمقاومة تلك الأحزاب، وأنه لا أنجح لها من الرجوع إلى فاس فرجعت أواخر شعبان، والسلطان المترجم في نزهة شعبانة بدار دبيبغ، وقص عليه القصص إخوة المولى على، فأسرها في نفسه، وكانت مدة مقامه بفاس ثمانية أشهر.
ثم بعد مدة من رجوع المحلة نهض صاحب الترجمة من فاس لتفقد أحوال رعيته، وذلك منتصف رمضان من السنة فحل بالعاصمة المكناسية، وعزل محتسبها الحاج الطيب غريط المدعو كسكاس وولى مكانه الطالب المختار بادو.
ثم بارحها إلى رباط الفتح، ولما خيم بضواحيه بالمحل المعروف بقرميم بلغه أن هلال عيد الفطر قد ثبت فارتحل ليلا ونزل خارج البلد وأقام سنة العيد قبل دخوله لقصره الفاخر العامر، وبعد ذلك دخل في موكبه عشية اليوم ترقب الهلال بنفسه وأمر العدول والأعيان من حاشيته برصده وكان الجو صافيا صقيلا فلم يظهر الهلال، فأمر باستئناف الصيام وسجن الشهود الذين زعموا رؤيته، وكان القاضى إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن إبراهيم.
ثم نهض المترجم إلى راوية ابن ساسى وخيم بها ستة عشر يوما، ووظف على الرحامنة أمولا طائلة، وفرض عليهم الخيل وألزمهم إعطاء العسكر تأديبا لهم على جرم أجرموه، ولم يبارح الزاوية المذكورة حتى أدوا جميع ما وظف عليهم وألزموا به.
وبعد ذلك نهض للحضرة المراكشية، فدخلها آخر ذى القعدة الحرام، وكان يوم دخوله لها من أزهر الأعياد وأبهر المواسم.