كان معششا بها من القذرات، وحجرتها على خاصة الأهالى وعامتهم، وانتقتها لشربها ومن حصلت له رغبة من وجهاء الأهالى في الورود من موردها المعين طلب الترخيص من لدن الحكومة الأجنبية، فتنافس رؤساء الأهالى وأعيانهم في التحصيل على الترخيص في السقى منها، وذلك بعد أن لم تكن لديهم تلك العيون شيئا مذكورا في ماضى العصور بل كانت تعافها النفوس وتشمئز من الشرب منها القلوب، لأنها كانت محل غسل أوساخ الصوف والثياب الخلقة وأبوال الدواب والمواشى وأرواثها، ولكن النفوس ميالة ومجبولة على حب الجديد. ومحاكاة الطالع السعيد. وحريصة على الاتصال بما منه منعت، كما أنها حريصة على الانفصال عما إليه ألجئت. هذا والمحنكون وذوو المعرفة من قدماء الأهالى كانوا يحققون أن ماء تلك العيون هو وإن كان حسنا فهو أحط رتبة عما رشح له بالنسبة لغيره، ثم لما طال استيطان الفرنسيين بمكناسة أنتج البحث المدقق من عرفائهم أن أحسن ماء يوجد بالبلد خفة وصفاء وعذوبة هو ماء عين تاكما -بالكاف المعقودة- الكائنة شرقى المدينة على مسافة تنيف على أربعمائة متر تقريبا.
فحينئذ صرفت حامية مكناسة وجهتها عن ماء عيون أبى العمائر، وأباحت ورده لمن يريده من وارد وصادر، فضعفت رغبة الأهالى في السقى من ذلك الماء بعد الحرص الشديد، ورجع لها بعض ما كان بها قبل من المستقذرات كغسل الأثواب الوسخة وأدخلت الدولة الحامية ماء عين تاكما للمدينة الجديدة وقصرته عليها واستغنت به عما سواه، ثم بعد كتبي هذا أدخل ماء عين تاجما للمدينة الأهلية أيضا لمكناسة واتخذت له سقايات عمومية بأزقتها وأبيح إدخاله للدور لمن تعلقت له به رغبة بالشراء من الإدارة البلدية، وقد كان ماء هذه العين في سالف الدهور مسوقا للمسجد الأعظم بالعاصمة في ساقية وسط حائط حذو الوادى في ناحية ضريح أبى زكرياء الصبان المعروف الآن بسيدى بوز كرى، إلى أن يجرى في