قال مولانا في محكم كتابه المبين: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ ... (٨١)} [سورة آل عمران: الآية ٨١]، ولما بعثه الله تبارك وتعالى قام بما حمله من أعباء الرسالة. وبلغ ما أمر بتبليغه، وأنقذ الأمة من الضلالة. إلى أن صار الدين مشيد الذرى. محكم العرى. وتبوأت خير أمة من قصوره حصناً حصيناً. وأثره نزل قوله تعالى: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... (٣)} [سورة المائدة: الآية ٣]، ثم أقام الله سبحانه من بعده الخلفاء. والأئمة المرضيين الحنفاء، فمهدوه تمهيداً، وجددوه في كل عصر تجديداً، واقتفى أثرهم أمراء الإسلام السالكون نهجهم الأقوم في كل مقصد ومرام، فنصحوا لله ولرسوله والمؤمنين، وبذلوا مجهودهم في مرضاة رب العالمين، فأقاموا شريعته حتَّى لمعت بوارقها، وشبت بإحياء مراسمها بعدما شابت مفارقها، إلى أن صار الدين غضاً طرياً، وقطوفه دانية بكرة وعشياً، رحمهم الله.
وهكذا على رأس كل مائة يبعث الله لهذه الأمة الأحمدية من يجدد معالم الدين. ويصقل مرآته من صدى التعمق في بيداء المضلين. وحيث كانت هذه السنة هي آخر المائة. وتوفرت دواعى التضحية بمفتتح رأس المائة القابلة لهذه الفئة تعين لذلك تنبيه الغافل، وإرشاد الضال، عملاً بما كان عليه السلف، لنكون بعدهم لهم خير خلف، وأداء لحق الواجب وأخذاً بطرق الامتثال. فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم".
وعليه فاعلموا أيها النَّاس أن أول ما يجب على المكلف المتمكن من النظر في الأدلة معرفة ما يجب في حق الله وفى حق الرسل بالبراهين النقلية والعقلية ليخرج من ربقة التقليد، ويشرق باطنه بأنوار التوحيد، فتقوى لديه بواعث العبادة، التي بها أمر الله عباده، فإن الله سبحانه إنَّما خلقنا لمعرفته وأمرنا بتوحيده، وبعث الرسل عليهم السَّلام لبيان وعده ووعيده، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا