الباب، وأما من تأخر منهم واشتهرت معارفه في الآفاق كأبي على اليوسي، وأبي سالم العياشي فهم كثيرون والحمد لله وقد عقد البكري في المسالك والممالك، ترجمة أتى فيها بنبذة من تدقيق البربر في السياسة وحسن التلطف في استخراج الحقوق ممن غمصها والوصول إلى تحصيل المصالح بعد درء المفاسد.
وبذلك كله يتبين لك أن القول الفصل في هذا البساط هو ما نبه عليه صاحب "الاستقصا" إذ قال: البربر من أعظم الأجيال وأعزها ولهم الفخر الذي لا يجهل، والذكر الذي لا يمهل. وقد تعددت فيهم الملوك العظام. وكان لهم القدم الراسخ في الإسلام. واليد البيضاء في إعلاء كلمة الله، ومنهم أئمة وعلماء وأولياء وشعراء وأهل المزايا والفضائل (١)، انتهى.
وبعد أن كتبت ما تقدم وجدت الباقعة أبا زيد ابن خلدون سبق إلى تحرير ذلك فقال: قد ذكرنا من أمر البربر وأخباره ما يشهد بأنه عزيز على الأيام، وأنهم قوم مرهوب جانبهم، كثير جمعهم، مظاهرون لأمم العالم وأجياله من العرب والفرس واليونان والروم، وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلل الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم ومرقاة الشرف والرفعة بين الأمم، ومراعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار، وحماية النزيل، ورعي الوسائل، والوفاء بالقول والعهد، والصبر على المكاره، والثبات في الشدائد، وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب، والتجافي عن الانتقام، ورحمة المسكين، وبر الكبير، وتوقير أهل العلم، وحمل الكل وكسب المعدوم، وقرى الضيف، والإعانة على النوائب، وعلو الهمة، وإباية الضيم ومشاقة الدول، ومقارعة الخطوب، وغلبة الملك، بيع النفوس من الله في نصر دينه فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف، وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها، أَنْ قَادَتْهُم إلى