للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطويل المنازلة إلى هذه السنين، لا سيما والحوائر في محل ليس بمنيع، إذ لا تحول دون منازله عقبة كئود ولا جبل عال شديد، كيف وقد قتل منازلوهم منهم في أول غارة شنوها عليهم آلافا متعددة في ساعة واحدة كما سبق عن ابن غازي، زد على ذلك ما ذكره واصفو هذا الحصار من أن الموحدين خندقوا على مكناسة في حصارهم إياها خنادق متعددة، ولا خفاء أن عيش أهل مكناسة على كثرتهم طول تلك المدة مع هذا الحصار الموصوف بعيد لأن ذلك الطول يهلك الزرع، والظهر، والضرع، وسائر ضروريات العيش.

ومن المعلوم أن الثروة التي تحمي صاحبها من الهلاك مع الطول إنما توجد في كل زمان عند بعض الأفراد لا عند عموم الناس ولا عند جمهورهم، ثم لو فرضنا أن أولئك الأفراد شركوا العموم في منافع ثروتهم، فإن ذلك مع انقطاع المادة يئول عن قريب بالجميع إلى الإفلاس، فأني يتأتي والحالة هذه الخلاص لمقاومة ذلك الطول: وإن كان الحصار على المدينة الجديدة المحصنة وهي تاجرارت كما يصرح بذلك كلام ابن غازي الآتي، فقد سبق عن ابن أبي زرع أنها فتحت في العام الذي بنيت فيه، فأين كانت حينئذ مدة حصار سنة كاملة فضلا عما راد عليها؟ ثم كلام ابن غازي في هذا المحل خال عن الترتيب. بعيد عن التحرير والتهذيب، فإنه ذكر أولا بناء تاجرارت وأن القتال وقع قبل إكمال سورها، وهذا يقتضي أنها بنيت كلا أو بعضا وقت الحصار، ثم ذكر قضية السوق القديم بعدها وهي دالة على أن أهل مكناسة وقتئذ لم يكونوا على أهبة قتال ولا استعداد لحرب، وهذا لا يتأتي إلا قبل الحصار، وهو خلاف ما دل عليه ما سبق من كلامه وكذا هذا التنافر واقع بين ما ذكره في قضية النشمة وما قدمه في بناء تاجرارت ولو قدم حكاية السوق القديمة والنشمة على حكاية تاجرارت لمسلم من هذا التدافع كلامه فتأمل ذلك كله.

<<  <  ج: ص:  >  >>