للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وريح ورعد وصواعق، وبعد أن بين كيفية تولد ذلك قال: فهذا القدر من الحقائق في هذا المقام لا ضير في معرفتها، بعد أن يعتقد انتهاء أسبابها إلى مدبر الكل سبحانه، انتهى. ونبه بهذا على رد ما شرحه الحكماء الفلاسفة في هذه الحقائق إلى الأصل الأصيل الديني من أنه لا فاعل إلا الله سبحانه، وأن ذلك لا ينافي إجراء الموجودات على ما تقتضيه الحكمة من قرن الأمور بأسبابها العادية.

وقد أشار لمثل ذلك الرازي أيضا عند قوله تعالى: هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ... إلخ، وإن أنكر ذلك عليه أبو حيان قائلا: هذا الرجل غرضه جريان ما تنتحله الفلاسفة على مناهج الشريعة وذلك لا يكون أبدا، انتهى.

وبحثه هذا مع الرازي غير وجيه، لأنه لم يقصد تنزيل كلام الحكماء من حيث كونه رأيا لهم على مناهج الشرع، وهم لا يرون ذلك، ولا يقولون بالفاعل المختار وينسبون الأفعال للطبيعة، بل قصده ربط المسببات بأسبابها، وأما ما قدمناه عن النيسابوري فهو بيان لكيفية ربط هذه المسببات بأسبابها العادية التي اقتضتها. الحكمة الإلهية وأتقنت كل شئ صنعا من غير تعريج على نسبة ذلك لرأي الحكماء، بل مع التصريح بمنافيه وهو كونه فعلا ومن آثار قدرته وبديع حكمته.

وحينئذ فبحث أبي حيان مع الرازي لا يرد على النيسابوري وعلى ذلك والله أعلم حمل الشيخ زكريا والحافظ السيوطي صنيع البيضاوي في تخريجه آي التنزيل في هذه الحقائق على مثل الكيفية التي شرحها النيسابوري، ولذلك أرى كلامه في حواشيهما على تفسيره، وبه يجاب عن تعقب الإبريز بقوله: على ناصر الدين البيضاوي درك في تفسير قوله تعالى: وينزل من السماء من جبال فيها برد بطريقة الفلاسفة، والعجيب من سكوت الحافظ السيوطي في الحاشية على ذلك وكذا شيخ الإسلام زكريا في حاشيته عليه، انتهى. فليتأمل.

قيل والصاعقة تسقط عادة على أرفع شيء وخصوصا البارز كالجبال دون الأرض السهلة والحارة، وقد يؤيد ذلك نزولها هنا على خصوص الصومعة. المرتفعة

<<  <  ج: ص:  >  >>