ولما انتشر صيت المترجم في الآفاق، وتكاثفت جنوده استقدمه أهل فاس وغيرهم من أهل الغرب وواعدوه النصرة والإمداد بالعدة والعدد، إذ كانوا يتمرضون في طاعة محمد الحاج الدلائى الذى استولى عليهم بعد الإمام أبى عبد الله محمد العياشى المذكور آنفا، فلبى دعوتهم وسار إليهم مسرعا.
ولما بلغ بلاد الحياينة خرج أهل فاس لاستقباله وساروا إلى أن لحقوا به وأتوا به إلى فاس العليا منسلخ جمادى الثانية عام تسعة وخمسين وألف، فألقى القبض على خليفة الدلائي بها إذ ذاك وهو أبو بكر التاملى السوسى وأودعه السجن، وذلك ليلة الجمعة مهل رجب السنة.
وفى سابع رجب المذكور بايعه أهل البلدين المدينة البيضاء وفاس القديم، ولم يزل مقيما بها إلى أن وقعت بينه وبين أهل الدلاء المقتلة العظيمة على ظهر الرمكة بظاهر فاس يوم الثلاثاء عاشر شعبان سنة تسع وحمسين وألف، انكشف سحاب تلك الملحمة عن هزيمة المترجم فدخل لفاس وبقى مدة يدبر الأمور. وينتظر ما يأتي به المساء والبكور.
ولما طال عليه الأمد بفاس الجديد وضعف جيشه وثار عليه أهل فاس أواخر شعبان سنة ستين وألف، انقلب راجعا لوطنه سجلماسة في ثانى عشر رمضان العام، وكانت مدة إقامته بفاس أربعة عشر شهرا وأياما قلائل.
وفى الثالث والعشرين من ربيع الأول عام واحد وستين وألف قام أهل المغرب بدعوة محمد الحاج الدلائى وبايعه أهل فاس، وكتبوا له البيعة في مهل ربيع الثانى من العام، وبسبب ذلك تم استيلاء الدلائيين على فاس وعادت لهم الدولة فيها بعد خروج صاحب الترجمة منها بستة أشهر، وولى محمد الحاج ولده أحمد أميرًا على فاس، ولم يزل على إمرته بها إلى أن لقى ربه في عشرين من