فلما سمع بذلك المترجم رجع إلى وجدة وفرق العرب الذين كانوا مجتمعين وواعدهم لفصل الربيع القابل، ثم قفل إلى سجلماسة بعد ما شب نيران الحرب في الإِيالة التركية ونسفها نسفا وضرب أولها بآخرها.
ولما وصل عسكر الترك إلى تلمسان واتصل بهم رجوع المترجم لتافيلالت سقط في أيديهم، وقد أحسوا بانحراف قلوب الرعية عنهم حتى أهل تلمسان، وتيقنوا بأنهم قد شوركوا في بلادهم وزوحموا في سلطانهم، فرجعوا إلى الجزائر وأخبروا عثمان باشا بحال الرعية وما نالها، فجمع أهل ديوانه وأرباب مشورته وتفاوضوا في أمر المترجم وكيفية التخلص من سطوته، فلم يروا أجدى لهم من أن يبعثوا إليه برسالة مع اثنين من أعيان الجزائر وعلمائها، واثنين من كبار الترك ورؤسائهم، لأنهم كانوا لا يتمكنون من حربه لو أرادوا ذلك لأنه يغير ويظفر، وينتهب ثم يصحر، فلا يمكنهم التعلق بأذياله، ولا قطع فراسخه وأمياله.
فبعثوا إليه برسالة من إملاء الكاتب أبى الصون المحجوب الحضرى مع الوفد المشار إليه بتاريخ منتصف رجب عام أربعة وستين وألف، جمع فيها بين اللين والصرامة مضمنها طلب تجنب ساحة تلمسان، وأن لا يزاحمها بمجموع رماة ولا فرسان، ليبقى بينه وبينهم الستر المديد على الدوام، ويلغى كلام الوشاة من الأنام.
وقد أورد هذه الرسالة الضعيف في تاريخه، كما أورد جواب المترجم عنها بنصه وفصه وكذا صاحب الدر المنتخب المستحسن، واقتصر في الاستقصا على مكتوب صاحب الجزائر وفقرات من الجواب عنه تركنا جلب ذلك اختصارا وأنفه عما فيه من فحش القول.
ولما رجع لصاحب الجزائر رسله ووجد الجواب خاليا عن الفائدة المقصودة، والضالة المنشودة، ردهم في الحين بدون كتاب، ولما قدموا على المترجم ثانية قالوا له لم يكن لنا علم بما في الكتاب ولو اكتفينا به ما رجعنا إليك، نحن جئناك