لما احتج به عليهم أبو بكر، وبذلك صار إجماعا قاطعا ولا حجة للمخالف في حديث السمع والطاعة ولو للعبد الحبشى لتعين تأويله إما بحمله على أن المأمور بالسمع والطاعة له فيه إنما هو نائب عن الإمام في بعض الجهات، أو في بعض الأمور، وإما بحمله على المبالغة والفرض والتقدير دون الوقوع، وإما بحمله على حالة التغلب بالقوة وعظم الشوكة لما تقدم من أنه في تلك الحالة تسقط الشروط.
أما في غير ذلك فالأمة مجمعة على عدم جواز نصب العبد إماما اختياريا، ولابد من اعتبار شرطين آخرين نبه عليهما الماوردى وغيره، وهما أن يكون سميعا بصيرا، وأن يكون سليم الأعضاء بحيث يتأتى له قوة الحركة وسرعة النهوض، ولا يشترط مع ذلك أن يكون هاشميا خلافا للشيعة، ولا كونه عالما بالفعل بسائر مسائل الدين أصلا وفرعا خلافا للإمامية، ولا ظهور الكرامة على يده خلافا للغلاة، ولا كونه معصوما خلافا للإسماعيلية والإمامية، ودليل عدم اشتراط هذه الأربعة ما تقدم من الإجماع القطعى على بيعة أبى بكر مع كون هذه الشروط ليست ثابتة فيه.
ثم اعلم ثانيا أن الإمام المنصوب، إن تمشت إمامته على المطلوب فيها من حفظ المصالح الدينية والدنيوية فلا إشكال أن طاعته تستمر، وإن خالف ذلك وظهر الخلل فإن كان مع بقاء انتظام أحوال المسلمين، وعدم انتكاس أمور الدين، وإنما الخلل الظاهر منه في غير ذلك، فهذا يجب الصبر على ما ظهر منه ولا يجوز خلعه عند جمهور أهل السنة ما لم يفض تهوره إلى ترك إقامة الصلاة وتغيير الشرع والارتداد عن الملة، وإلا فالإجماع كما في الإكمال لعياض على قتاله ومحله إذا تخيلت الأمة النصرة عليه، فإن تحققت عدمها سقط عنها وجوب قتاله ووجب عليها الهجرة من بلاده.