ولما تم له الأمر بفاس وما والاها، كتب أهل فاس لعبيد مشرع الرملة يطلبون منهم الموافقة والدخول معهم فيما دخلوا فيه، فاجتمع أشياع سالم الدكالى وأجمعوا أمرهم على المبايعة للمترجم، ولم يكن لغيرهم بُدّ من اتباعهم فبايعوه ووجهوا إليه بيعتهم مع أعيانهم لفاس، ولما وردت عليه طلع من فاس القديمة إلى المدينة البيضاء فاس الجديد في موكب يسر الناظرين تحفه الودايا.
ثم اقتفى أثر عبيد مشرع الرملة في مبايعة المترجم من كان بالعاصمة المكناسية منهم وسائر أهل مكناسة ومن في حكمهم.
ولما رأى ذلك صنوه السلطان عبد الله جمع ما كان بدار الملك من مال ومتمول، وبارح العاصمة، وصحب في معيته ولده أبا عبد الله محمد وأمه وسائر حرمه، وأطلق من كان بالسجون من أهل الجرائم وغيرهم وكساهم، وسار إلى الحاجب وقيل إلى جبال فازار، فانضمت إليه برابر تلك الناحية وصارت تغير على سرح مكناسة وسايس وما والاهما.
وفى الخميس الموفى عشرين من جمادى الثانية المذكورة بارح المترجم فاسا في جيوش وافرة منتظمة من العبيد والودايا وأهل فاس، وبات بوادى النجا، ومن الغد الذى هو يوم الجمعة دخل مكناسة الزيتون عاصمة والده وإخوته ومن قبله، ولما استقر به النوى عزل أبا العز الطالب بوعنان عن قضاء مكناسة، وولى مكانه العلامة أبا القاسم العميرى، ثم عزله وولى أبا عبد الله محمد البيجرى، ثم عزله وولى العلامة الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ.
وفى اليوم الخامس من حلول المترجم مكناسة أتى إليها صنوه السلطان أبو محمد بن عبد الله بمجموع البربر الذين آووه وعززوه ونصروه لَيْلًا ونهبوا جميع أحوازها وباتوا بظاهرها، ولما بزغ حاجب الشمس وفتح باب الأروى اقتحموها، وأخذوا ما قدروا عليه من خيل وسلاح وهدوا وأفسدوا وانقلبوا راجعين من حيث أتوا.