في مدة قريبة قليلة، وتارة نفوض الأمر إلى من بيده الألطاف العجائب، ونمد المسلمين من الدعاء بأعظم الكتائب، حتى رأيناه كاد أن يجمح في ميدان الجسارة هواه، ويعود إلى غدره وخداعه ومكره لينال من مراده ما كان نواه، فَتَلَوْنا عند ذلك:{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ...}[الأنفال: ٦٢] وتعين علينا أن نعلم المسلمين بأمره قبل أن تدب عقاربه، وتعم مصائبه، خصوصا من كان في الأقطار البعيدة ليأخذوا في الأهبة والاستعداد، للتقدم للجهاد، إن حققوا غدر الكافر من غير توقف على استنفار، وهذا الغرض لا يحصل على التمام إلا بمشاركة منكم في هذا الأمر تسوغه، وإعانة عليه بالأنفس من ذوى الفضل والدين تؤديه وتبلغه، وأخذكم فيه بالسهم الأكبر، والحظ الأوفر، لأنكم معشر أهل هذه البلاد التي لا يعد فضلها ولا يحصى، قدوة لأهل هذا المغرب الأقصى، فبكم يقتدون، وبهديكم يهتدون، ومثلكم لا تقرع له العصا، ولا ينبه بطرق الحصا، فقوموا لهذا الآمر قيام أمثالكم، واجعلوه من خير أعمالكم، وكونوا عند الظن بكم في هذا الأمر لأنه بكل خير كفيل، وظننا بكم جميل، وافرضوا له عددا معتبرا، وادخروه ليوم تجد فيه كل نفس ما عملت من خير محضرا، وأهل الدين والفضل منكم بهذا الأمر أولى، إذ هم لما خصهم الله به من مزيد الدين والغيرة على المسلمين أجل وأعلى، ونحن نحقق أنكم لم يلذ لكم شراب ولا طعام، منذ استولى عبدة الأصنام، على بلاد أهل الإسلام.
واعلموا أنا على نية النهوض لمكناسة إن شاء الله عن قريب، مستنصرين بالسميع المجيب، مستشفعين بالحبيب - صلى الله عليه وسلم -، ومجد وعظم، في كشف هذه الغمة، عن هذه الأمة، ومنتظرين ما يجيب به الكافر عما أمرنا أن يخاطب به من جانبنا العالى بالله عما شدد من الاقتضاء، فإن سالمنا سالمناه، وكان أجرنا وأجركم في الاستعداد على الله، كان أراد حربنا حاربناه بحول الله.