وفى مدة مقام المترجم بمكناس للنظر في شئون محاربة الإصبان ثار الرحامنة بالحوز، وتحزبوا على تفريق الكلمة وتوطيد عرى التهافت على أكل أموال الناس بالباطل، فشنوا الغارة على سوق مراكش ونهبوه وسلبوا المارة وعتوا في السابلة، ولم يتركوا بابا من أبواب التعدى والإفساد إلا وطرقوه، فاشتد الأمر وضاق النطاق، وارتفعت بسبب ذلك الأسعار والناس بين نارين بل نيران، نار فتنة الإصبان ونار فتنة الروكى وفتنة المفسدين من الرحامنة.
ولما أطفأ الله تلك النيران نهض المترجم لزجر المتمردين المذكورين، ولما علموا بذلك أجمعوا أمرهم بينهم وصمموا على محاربته، ولكن لم تغن عنهم تحزباتهم من سطوة الله شيئا، فأذاقهم أليم النكال جزاء على ما أجرموا ووجههم لسجون مراكش مقرنين في الأصفاد، وبعد أن أوقع بهم كتب لأخيه المولى الرشيد بما نصه:
"الحمد لله الذى تدارك الأمة باللطف الكفيل بتمهيد أقطارها، وتيسير أوطارها، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه الذين نصروا الدين بالصفاح والأسنة، وأوضحوا أحكام السنة، أخانا الأعز الأرضى مولاى الرشيد أصلحك الله وأعانك وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فإنه لما تواترت الأنباء المحققة بعد التباسها، وتواردت الأخبار التي يغنى نصها عن قياسها، بما ارتكبه ظالموا أنفسهم الرحامنة، من أنواع الفساد التي أذاعوها، وأظهروها وأشاعوها، وقد كانت في صدورهم كامنة، صرفنا الوجهة إليهم، وطوينا المراحل من أجلهم.
ولما حللنا ببلادهم أرسلنا عليهم سيل العرم من العساكر المنصورة، والجيوش الموفورة، فما كان غير بعيد حتى أتوا منهم برءوس كثيرة محمولة على أسنة الرماح، وأسارى من مقاتلتهم مجردين من الثياب والسلاح، ومن نجا منهم رجع