وأما من يكثر سواد أولئك الجهلة الضلال، أو يلتمس بركتهم ممن ينسب نفسه إلى علم، فذاك من شواهد عدم علمه، وكيف ومن العلم الحقيقى معرفة أن البركة إنما تلتمس من المهتدين والتنفير من تكثير سواد الضالين، وقد بين النبى - صلى الله عليه وسلم - ما أنزل من الذكر الحكيم إليه، وشرح لنا فيه طريق الرشد وطريق، الضلال، وتركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقام بإيضاح ذلك علماء الملة وأعلامها بعده حتى بلغ الأمر من ذلك غايته وحده، فعلم من يتعود الجريان على ما يخالف مقتضى العلم ولا يرعوى عن ذلك، هو جهل في الحقيقة لأنه إن كان يعتقد الحرام ومع ذلك يفعله ولا يقلع عنه فقد قال غير واحد من الراسخين في العلم يهتف العلم بالعمل، فإن أجاب وإلا ارتحل.
وقد جزم القسطلانى في مقدمة إرشاده بأن ما يحمله الفساق ليس بعلم على الحقيقة، ولذلك علل المولى سعد الدين قول التخليص وقد ينزل العالم منزلة الجاهل هـ بقوله لعدم جريانه على موجب العلم نعم القادح في العلم هو الذى تعود منابذة مقتضاه من غير إقلاع ولا توبة، أما صدور ذلك من عالم على سبيل الزلة والفلتة ثم إقلاعه عن ذلك وندمه عليه فهذا غير قادح في علمه، لأنه غير معصوم.
وقد قيل للجنيد: أيزنى العارف؟ فقال: وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، وشاهده أن بعض الصحابة لما لعن بحضرة النبى - صلى الله عليه وسلم - شخصا ارتكب موجب حد وأقامه عليه السلام عليه نهاه النبى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك وقال له: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله انتهى.
فأثبت - صلى الله عليه وسلم - لهذا العاصى محبة الله ورسوله مع عصيانه لهما في بعض ما نهياه عنه، وكيف تكون زلة العالم قادحة وهو بالعلم عرف قبح ما وقع فيه