وبجريانه على مقتضاه بادر إلى الإقلاع والإصلاح لما فسد فكان بذلك من العلماء الذين عملوا بعلمهم.
ثم اعلم أن وقوع المعاصى في الوجود لا يعد وصمة في علم العلماء وفضلاء الفضلاء إلا أخرق عريق الجهالة، فإن الله سبحانه من غناه عن العالمين وأعمالهم قدر المعاصى كما قدر الحسنات، وخلق الدارين دار الإكرام ودار الانتقام، وخلق لكل بنين يعمرونها، وقال لخلقه: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فلا بد من وقوع الأمرين، وامتلاء الوجود بالفعلين، ولذلك كانت تقع المخالفات والمعاصى قيد حياته - صلى الله عليه وسلم - المتعارفة ومن صحبه الكرام.
فكان منهم من سرق فقطعت يده، ومن زنى فرجم، ومن شرب الخمر فحد ومن غل ومن خان إلى غير ذلك مما تكفلت بنقله كتب السنة والسير.
وقد علم أنه هو - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام وزمنهم هو الطبقة العليا في الكمال، ولم يمنع ذلك من صدور المعاصى وقتئذ كما لم يقدح ذلك في علم الصحابة ولا في عملهم، إذا هم أهل العلم والعمل بالإجماع، وسر ذلك ما تقدم من أن المعاصى سبق القضاء بوجودها، فليس في طوق أحد محو ما سبق به القضاء، ثم المضر هو الإصرار عليها وعدم التوبة منها، وهم رضى الله عنهم ما كانوا يصرون على ما يقعون فيه من ذلك بل كانوا يسرعون إلى الإنابة، ولو أتت على نفوسهم.
ولا شك أن التوبة وعدم الإصرار هو من جملة العمل بالعلم، والعصمة لا تشترط قطعا فقد قال الله تعالى: {. . . إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ. . . (٢٢٢)} [البقرة: ٢٢٢] وهل تكون التوبة إلا من ذنب! وفى الحديث لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم، أخرجه مسلم عن أبى هريرة، فمن يجعل مجرد جريان المعاصى في الوجود أو وقوعها فلتة من بعض العلماء مع قيامهم بالشرح والبيان في كل موطن قد حافى علم العلماء وفضل الفضلاء فهو