يجيبها بمثانى الصوت مبتسما ... في وجه عاشقه عن بارق الشنب
في منتدى كعبة الجدوى سكيرجها ... والعلم ينسل من نجواه عن حدب
فلما وصلت إلى هنا استعادنى إنشادها وهو مقبل على بمحل معه يهتز إعجابا وطربا، ثمَّ تنحى دسته جملة وأجلسنى فيه منفردا بعدما كنت مشاركه في جهة منه فقط، فلما استويت أنشدنى للصاحب بن عباد:
فلو كان من بعد النبيئين معجز ... لكنت على صدق النبي دليلا
ثمَّ اجتليت عن يسارى، بدر تلك الهالة أبى زيد المزدارى، وهو يقول كأن البرق يلمع علينا من أدبك، والشمس تطلع من غرة طربك، وكأنى المعنى عنده أنشدته مغالطا فقلت:
البرق يلمع لكن من ثناياك ... والشمس تطلع لكن من محياكا
فاحكم بما شئت فينا غير مكترث ... بقتل أنفسنا فالحسن ولاكا
والله يا عابد الرحمن ما نظرت ... عينى بمكناسة الزيتون إلاكا
أودعت سر غرام بيته خلدى ... لديك فاجعله لي ببيت نجواكا
فنشط للمدح وارتاح، وناولنى مترعات الأقداح، وبقى لا يلتفت إلا إلى، ولا يقبل بحديثه إلا على، غير أنى بين حياة وحين، من صوارمه المصلتة من جفون العين، والنفس تشتهى اقتطاف ورد الخدود، النابت حول غاب قسى الحواجب وأسل القدود، فكان ذلك ولله الحمد داعية العفاف، وآية على حمد عاقبته الانصراف، إذ من العصمة أن لا تجد، إن وجدت فاتئد، فمكثنا على ذلك أياما بين تناشد الأشعار، وتجاوب الأوتار، وكئوس حلال الشراب علينا تدور، من راحات حسان كالبدور، لم نستيقظ من سنة المسرة، إلا بعد أن مضت من الشهر عشرة: