فلما اجتمعنا معه -رضي الله عنه - على الطعام قال لنا من غير تقدم كلام: إنى حين كنت ملازما هنا قبل هذا كان رجل يدخل لي الرسوم من عند الناس ويخرجها لهم، وكنت أحبه ظناً مني أنَّه يفعل ذلك لوجه الله تعالى، حتى علمت بعد أنَّه كان يفعل ذلك ليأخذ منهم الدراهم فسقط من عينى وتركته، فخجل أصحابنا خجلا شديدا، وعلمنا أن ذلك مكاشفة لا شك فيها، وكان ذا سخاء عظيم مضيافا محبا للمساكين محسنا إليهم.
وكان في أول أمره منقبضا عن السلطان جداً لا يرسل إليه ولا يراسله، إلى أن سأل مرة أمير المؤمنين، ناصر الملة والدين، ذو الشرف الأثيل، مولانا محمَّد بن أمير المؤمنين مولانا عبد الله بن أمير المؤمنين مولانا إسماعيل، التاودى عن فقهاء الوقت فذكره وأثنى عليه بين يديه ثناء كثيرا، فأرسل وراءه وهو إذ ذاك ملازم بوزان، فذهب مع بعض أعوانه هناك فلقيه بمكناسة الزيتون فأمره بسكناها بقصد التدريس بها فلم يجد من امتثال أمره المطاع بدا، فسكنها مدة ثمَّ نقله إلى ثغر طنجة فأقام بها مدة ثمَّ نقله إلى تطوان. هـ الغَرض من حاشية الرهونى.
قلت: انظر همم الملوك التي هى ملوك الهمم، واهتمامهم بالتنقير عن حملة الشريعة في رعاياهم ليقدروهم قدرهم وينزلوهم محلهم، ويظهروا للخاص والعام فضلهم وشرفهم على من سواهم، وانتقاء جلتهم لبث العلم ونشره في صدور الرجال كى يسود العلم في رعاياهم، وتكسر راية الجهل فيهم، حيث إن العلم أصل أصيل للرقى والاستعمار والتقدم والنجاح المادى والأدبى الدنيوى والأخروى والعكس بالعكس:
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
مشيخته: أخذ عن العلامة المشارك سيدي التهامى أبى الخارق الحسنى، سرد عليه شرح الكبرى، والعلامة القاضى سيدي المجذوب بن عبد الحميد الحسنى،