ومنابر الأغصان قد قامت بها ... خطباء مفصحة من الأطيار
وألسن الحال تهدى إلى التفكير في مصنوعات الله وترشد، وكأنها تتمثل بقول أبى نواس وتنشد:
تأمل في نبات الأرض وانظر ... بدائع ما بها صنع المليك
عيون من لجين شاخصات ... على أطرافها الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
والناظر الأديب المتأمل، ينشد قول المجنس الممثل:
إن هذا الربيع شئ عجيب ... تضحك الأرض من بكاء السماء
ذهب حيث ما ذهبنا ودرٌّ ... حيث درنا وفضة في الفضاء
والجيش المنصور بحر متلاطم الأمواج، يسير فيملأ الفضاء ويغص الفجاج، ويقيم فيكون هالة على بدر سعود وشرف، وسور حفظ لا يعرف له طرف، قد رصت صفوفه، وتعددت ألوفه، وتنوعت أجناسه وصنوفه:
من كل أبيض قد تقلد أبيضا ... عضبا وأسمر قد تقلد أسمرا
والخيل تمرح في أعنتها، وتمضى في الخيلاء على سنتها، قد خليت من الأسلحة بما راق وراع، وأعجز وصفه ألسن اللسن وأهله اليراع:
مؤصلة من ذى العقال وداحس ... وآل الوجيه والنعامة والخيفا
فمن أشهب لبس النور رداء، وسابق البرق عداء:
فكأنه في حليه وسلاحه ... صبح تقلد حلية الجوزاء
ومن أدهم خلع الليل عليه إهابه، وأثبت بين عينيه شهابه:
فكأنما لطم الصباح جبينه ... فاقتص منه فخاض في أحشائه