للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليسلم النفس المريد عبوره ... إن لم يكن لطف الإله ظهيرًا

فأحجم عن عبوره القوم، واستبشر بالزبون العارف بالسباحة والعوم، وبات الناس في الآراء يترددون، ولقصص الناجين والغرقى يعدون، وقصارى أمنية كل واحد عبور ذلك الصراط، والانتظام في سلك الناجين والانخراط، حتى أنشد بعضهم واستحسن، وتمنى ما تمنى الحسن:

ألا ليت شعرى هل أبيتن (١) ليلة ... بسهب الثنين أو بسهب بنى ورا

وهل تعبرن نهر العبيد ركائبى ... وهل أتركن دايا وأدواءها ورا

فلما تبلج أدهم الليل عن أشهب الصباح، وحيعل الداعى بحي على الفلاح، وتولت نجوم الليل تقفو إثره، وغدت سيوف ذكاء تخرق ستره، وأدى الناس النفل والفرض، وأشرقت بنور ريها الأرض.

ولاحت لنا شمس النهار كغادة ... بدا حاجب منها وضنت بحاجب

صدر الإذن المولوى بالعبور، وقدم له الصبور فالصبور، وجعل فاتحة ذلك نجله الأسعد، وفرعه الأنجب الأصعد، سيدنا ومولانا محمد، تفاؤلا لتستحسن العاقبة وتحمد، وكان قد تقدم الأمر المطاع بإعداد المعادى، للإعانة على عبور ذلك العدو العادى، فلم يكن إلا أن عبر الأول مكتفيًا بالمختصر عن المطول، وظهر من لطف الله وسعادة مولانا ما عليه المعول، وحمد الناس الله على ما سهل من ذلك وخول، وتتابع العبور على الريح والأعواد. مع سلامة الأنفس والأرواد. وشاهد الناس لجيش مولانا المنحمى، شبه ما ظهر من الكرامة لعبد الله بن الحضرمى، ولا غرو أن يعطى التابع حكم المتبوع، ويظهر للعيان حقيقة ما هو مروى ومسموع، ولله قوم يسعدهم ويسعد بهم، ويظهر عنايته على من تعلق بسببهم.


(١) تحرف في المطبوع إلى: "أبين" وهو غير صحيح عروضيّا، والبيتان من بحر الطويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>