الدخان] , فلما فرغ المترجم من تقرير الاحتمالين قال السائل المذكور: والله أيها الفقيه إن هذا هو الذي قالوه فضحك الحاضرون وعلموا صدق فراسة المترجم.
وقد سأله يوما بعض الجلة من أعلام فاس بمجلس عاملها إذ ذاك السيد عبد الله بن أحمد عن قوله تعالى: {... فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ... (١٤)} [سورة المؤمنون آية: ١٤] والحال أن العظام مكسوة لحما وجلدا فسكت المترجم، فقال له السائل: أننظرك إلى أن تطالع؟ فقال له المترجم: لا تنظرنى، فلا أخرج من المجلس إلا بعد أن أجيبك، وبأثر ذلك قدمت لهم حريرة (١) فتركت أمامهم إلى أن بردت يسيرا أو جعلت جلدا فنظر المترجم إلى السائل وقال له: ما على الحريرة من الجلد هو حريرة أو غيرها؟ قال: حريرة، فقال له: قد أجبتك فاستحسن السائل جوابه.
وسأله هل قرأت بفاس؟ فقال: الناس يشدون الرحلة إلى فاس بقصد القراءة على أعلامها، وأنا فاس شدت إلى الرحلة حتى قرأت، فقيل له: وكيف ذلك؟ قال: أعلم أهل فاس السيد العباس بن كيران جاء قاضيا لمكناس فأخذت عنه، ثم لما قبضه الله إليه خلفه السيد الحاج المهدي ابن سودة، فكان مضارعا له في سعة العلم والإدراك، وربما فاقه فأخذت عنه كذلك، ولم أحتج إلى ذهاب لفاس، فهذا هو الجواب، فاستحسن منه ذلك.
والذي يظهر لي أن الإشكال في الآية المتقدمة غير وارد، وذلك أن الآية إنما سبقت للاستدلال على باهر قدرة الله تعالى وإلزام المنكر لإحياء الموتى الحجة، ولم تسق لبيان التشريح واستيعاب الأجزاء التي يتركب منها الإنسان، ويمكن أن يقال على تسليم ورود الإشكال إن العظام مكسوة باللحم لا بالجلد واللحم هو المكسو بالجلد، فوقع الاقتصار على المباشر غالبا.
(١) في هامش المطبوع: "الحريرة دقيق يطبخ بلبن أو دسم قاله في القاموس".