إخوانه الذين تملكوا قبله لاحتياجه إلى ما يصرفه ابتغاء مرضات العبيد، ولم يترك خزينا من الخزائن إلَّا ونسف ما به نسفا حتَّى الحديد والكبريت الذي كان يعد بآلاف القناطر وملح البارود والشب والبقم وغير ذلك مما كان مدخرا من الغنائم التي كان يغنمها والده من أجناس الفرنج، وباع ذلك كله، فلم يجد المتحصل فيه شيئًا وأزال بعض السراجيب المذهبة والشبابيك، وألزم أهل الذمة بأداء ثمن ذلك.
ثم أنزل المدافع النحاسية من الأبراج فكسرها وضربها فلوسا كما فعل ذلك قبله أبو العباس أَحْمد بن إبراهيم السلطان العثمانى الذي هو أول من ضرب سكة النحاس الأحمر وموهها بالفضة، وكل ما ذكر لم يغن المترجم شيئًا، كما أفصح بذلك الزيانى في الروضة السليمانية وغيرها من كتبه، ثم وظف على أهل فاس أموالا طائلة عجزوا عن الوفاء بها، وألقى القبض على جماعة منهم وأودعهم السجون، وأمر ببيع عقارهم لاستيفاء ما بقي بذممهم مما وظف عليهم، وألزم التجار بشرائه، وقبض على بعض الأشراف العراقيين وهو السيد العربي بن السيد عبد الكريم صاحب الدار الكبرى بجرنيز بعد أن أوجعه ضربا، وزج به في السجن بدعوى أن خنائة بنت بكار زوج والده استودعت عنده أموالا.
ولم يترك بابا من أبواب القساوة إلَّا وطرقه، فكم استصفى من أموال، وأزهق من نفوس بغير حق، وذلك بإغراء من رفيقه أبي حفص عمر الأمرانى انتقامًا من أهل فاس، حيث إن داره نهبت على عهد أبي عبد الله محمَّد ولد عريبة أخ المترجم، ولم يدافع عنها أحد منهم وولى أَبا حفص المذكور على فاس، وأغرى البرابر على العيث في الطرقات وشن الغارات على الودايا، فانقطعت بسبب ذلك السابلة، وتعذرت أسباب المعاش، وأصدر أوامره بتوجيه أخيه المولى زين العابدين سجينا مقيدًا إلى تافيلالت بعد أن ضربه ضربا مبرحا, ولولا أن العبيد وجهوا من انتزعه من يد المتوجهين وبعثوا به لأبي العباس الكعيدى ببني يازغة واستوصوه خيرًا فاحتفظ به واعتنى بشأنه لهلك.