مأموريته أحسن قيام، وأحيا بسياسته وتدبيره ما أمكنه مما اندرس من رسوم الخلافة ونوامسها، وأمن بولاية هذا السياسى المقتدر كل من كان خائفًا يترقب.
ثم اتفق الباشا المذكور وَرُؤساء الديوان ومن يشار إليه من الجيوش على خلع المترجم والمبايعة لصنوه أبي محمَّد عبد الله، وتم الوفق على ما ذكر يوم السبت خامس عشر ذى القعدة، ولما اتصل الخبر بالمترجم بارح مكناسة ناجيا بنفسه في شيعته وأنصاره، ويوهم أنَّه يريد زيارة أبي محمَّد عبد السلام ابن مشيش، وكان الزمن زمن برد قارص وأمطار هاطلة، ولما علم العبيد بذلك اقتفوا أثره فوقع بينهما قتال كانت الكرة فيه على العبيد، فولوا الأدبار منهزمين وسار المترجم إلى أن وصل طنجة، فاستقبله الباشا أَحْمد الريفى بالإجلال والترحيب، وبقى في ضيافته أيامًا، ثم استنجد الباشا المذكور وصديقة السلوى في نصرته، وشد عضده حتَّى يرجع لمكناسة، وينكل بمن سعى في خلعه من العبيد.
ولما تعذر ذلك وحالت الظروف بينه وبين ما يريد، طلب من الباشا الريفى أن يوجه لمراكش، فأسعف رغبته وزوده بجميع ما يحتاج إليه: يكفيه من مئونة ومال ودواب لحمل أثقاله وأثقال أتباعه، وشيعته رسله من قبيلة إلى أخرى، إلى أن قطع تلك الجبال الفحصية، ووصل إلى كارت ومنها إلى الصحراء، ولما لم يحصل على ضالته المنشودة انقلب راجعا إلى أن وصل للقصبة التي كان بناها بجبال مسفيوة بناء محكما بواسطة أَخيه وخليفته بمراكش المولى بناصر.
ثم دخل لمراكش فوفدت عليه القبائل الحوزية بهداياها وبيعاتهم ما عدا قبيلتى أحمر وعبدة، ومن انضم إليهما فإنهم رفضوا طاعته ولم يبايعوه، فأرسل لهم سبحته وأمنهم إن هم دخلوا فيما دخل فيه غيرهم، فوجهوا له مائة فارس منهم ومعهم كسوة أبي محمَّد صالح فلما مثلوا بين يديه، قتلهم عن آخرهم وأعطى خيلهم لدكالة.