للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعر تلك الجبال، ثم وجه البرابر ذات ليلة من سد الثَّنايا التي دخلوا منها بالأشجار الأرز.

ولما كان الصباح هجموا عليهم من كل ناحية وقاتلوهم قتالاً شديداً في تلك الأوعار التي لم يقرءوا لها حسباناً، فهزم الجيش هزيمة شنعاء، وولوا الأدبار، فوجدوا الثَّنايا قد سدت دونهم فازدادوا فشلاً ورعباً، ولم يسعهم غير الترجل وتسليم الخيل والسلاح والزاد، ولما تجردوا من كل شيء وتركوه غنيمة باردة حقن البربر دماءهم، ولم يقتلوا أحداً منهم.

ولما لحقوا بالمترجم لمكناس حفاة عراة منحهم وكساهم ووعدهم بإخلاف ما ضاع لهم، وأمرهم بالرجوع لمشرع الرمل فرجعوا وقد بذر في قلوبهم بغضه، شأن ما جلبت عليه الطباع فيمن تسبب لها في لقى ما تكره، وإلا فالمترجم إنَّما كان وجههم لحسم مادة المفسدين.

وفى عام سبعة وأربعين: اتفق العبيد والودايا على قتله والتمثيل به انتقاما منه لإسرافه في قتلهم حتَّى كاد أن يستولى على رءوسهم وصناديدهم سعياً وراء كسر شوكة استبدادهم وطغيانهم على الملوك وإيقادهم نيران الفتن في الرعية، وأخذاً بدم صنوه أبي مروان عبد الملك الذي خنقوه، وكان قصده استئصال شأفتهم لتحققه أنَّه لا يستقيم معهم ملك لأحد، قالوا بلغ عدد من قتل منهم عشرة آلاف ونيف، "إنَّما جزاء الذي يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض".

ثم إن المترجم أنذر بما صمم عليه العبيد من اغتياله، فخرج من العاصمة المكناسية يوم الأحد ثامن وعشرى ربيع الثَّاني ليلاً ناجيا بنفسه، ومن الغد الذي هو يوم الاثنين بلغ لفاس خبر خروج السلطان، فهرب عاملها محمد بن على

<<  <  ج: ص:  >  >>