أن الحمد لله رب العالمين، وفى ثامن شعبان المبارك عام أربعين ومائة وألف" هـ من خطه.
ثم إن المترجم وصل شرفاء الوفد الذى أتى له بالبيعة بألف دينار ذهبا، كما وصل الطلبة والأعيان مثل ذلك، وأعطى الراتب للرماة، فنال كل فرد منهم سبعة مثاقيل ذهبا، ثم أصدر أوامره برد المظالم، وشدد في اجتناب المحرمات، فكبر ذلك على العبيد وأبوا أن يردوا ما اغتصبوه للناس من عقار ومال، ولما رأى المترجم ذلك صرح لهم بأنهم أحرار فليذهبوا حيث شاءوا، وأنه لا حاجة له بخدمتهم، وأعلن النداء في جميع البلاد التي دخلت تحت طاعته بأن من أراد الدخول في الجندية فليأت إليه، فوفد عليه سرعان الناس، ولما تحقق عبيد مشرع الرملة بذلك خافوا سطوته لما يعلمونه من شهامته فأجمعوا أمرهم ونهضوا يطوون المراحل فلم يشعر المترجم حتى دهموه وكانوا سبعين ألف مقاتل، فجمع أتباعه ومن كان داخل ديوان العسكر من الأحرار الوافدين عليه، وخرج لقتالهم بظاهر العاصمة المكناسية وأمر بغلق جميع أبواب المدينة ومع قلة جيشه إذ كان لم يبلغ عشرة آلاف مقاتل، ووفور جيش العبيد فقد قاتلهم قتالا لم يعهد له مثيل بالبلاد المغربية، يقال: إنه مات في هذه الواقعة ما يزيد على ثلاثين ألفا.
وكانت النصرة لصاحب الترجمة على العبيد ولكن بكل أسى وأسف أن بعض زوجات والده أمرت بفتح أبواب البلد، فامتثل أمرها، ولما فتحت الأبواب دخل العبيد القصبة المولوية وعمروها ولا علم للمترجم بذلك، ولما اتصل به الخبر فرّ إلى فاس، ولما وصل إليها أغلق الودايا الذين بفاس الجديد أبواب البلد في وجهه.
فتوجه لباب الفتوح أحد أبواب فاس الإدريسية، واستدعى أهل فاس فخرجوا إليه، ثم اختلفوا في نصرته، فأجابه قوم وامتنع آخرون، ومع ذلك دخل المدينة ونزل بدار القيطون منها.