أما العبيد فإنهم لما فتحت لهم أبواب العاصمة المكناسية ودخلوها على حين غفلة من صاحب الترجمة عثوا فيها ونهبوها وما حولها، وارتكبوا كل مخجل للمروءة، وأعادوا البيعة لأبى العباس الذهبى، ونهضوا به يقتفون أثر صاحب الترجمة، وانضم إليه كل من كان على شاكلتهم من القبائل، وساروا إلى أن نزلوا على فاس في مائة ألف مقاتل على ما قاله ابن الخياط القادرى، ورموا المدينة بالأنفاض من جميع جهاتها، وجاءوا بالسلاليم للتسور عليها من الأسوار، وشددوا الحصار وكثر القتل والجرح واشتد الحال وغلت الأسعار وعدمت الأقوات والمقومات التي تأتى من خارج البلد كالحطب والفحم، فاضطر الناس للصلح بتسليم صاحب الترجمة لأعدائه الناكثين بيعته المحاربين له.
ولما شعر المترجم بذلك استجار بالضريح الإدريسى، فدخل عليه عبد النبى ابن الباشا سعود الحيانى أحد عسكر البخارى وكان باشا على ثمانية عشر ألف فارس، وسالم الدكالى البخارى وكان إلى نظرة اثنان وعشرون ألف فارس وانضم إليهما زعانف الغوغاء ومن لا خلاق لهم وأخرجوه، وذلك زوال يوم الخميس الواحد والعشرين من جمادى الأولى عام واحد وأربعين ومائة وألف، ووجهوه مع الباشا مساهل بن مسرور.
ومن الغد نهضت محال العبيد وسارت إلى مكناسة، ولما وصلوا إليها سجنوا بها صاحب الترجمة، ولما كان الغد توفى أبو العباس أحمد الذهبى، ثم أمر العبيد أخاه محمد ولد الطليقية وآخر فدخلا عليه، ومعهما زعانف الخدم والحرس وأمسكوا على جميع أطرافه وحجزه، وجعل أخواه مجدولا في عنقه من حرير وخنقاه وأعضاؤه تضطرب إلى أن مات رحمه الله، وفى غده جهز وصلى عليه عوام الناس وأهل الدين المتين، هذا ملخص ما في مؤلف ابن الخياط القادرى في الإمام محمد النفس الزكية وبنيه.