أتانى كتاب ناعيا بفراقهم ... فعاد نهارى داجيا فهو مظلم
أجيل به طرفى فتزاد لوعتى ... كما ازداد سما من به عض أرقم
وقد كان قلبى بالرزية مخبرى ... فصار بيانا ما له أتوهم
هو الموت مر في المذاق وشربه ... على كل حال واجب متحتم
أرى الدنيا بحرا زاخرا وهو ساحل ... وبعض الورى غرقاه والبعض عوم
وما هذه الأعمار إلا سفائن ... مجاذفها الأيام تمضى وتصرم
أباد الردى آباءنا وجدودنا ... وكل تساوى آخر ومقدم
عجبت لمن يبنى القصور جهالة ... وقبره ما تحت الثرى متهدم
أغرك من دنياك حسن ابتسامها ... حذار حذار عطرها فهو منشم
أتلهو ضلالا في أمان وهذه ... طيور المنايا فوق رأسك حوم
تروح وتغدو لا لديك تفكر ... ولا عبرة كأنما لست تعلم
وما فات في الدنيا كمثل محمد ... وقد صار للدار التي هى أدوم
لقد عاش لا شئ يخاف عقابه ... ومات ولا شئ له يتندم
مضى غير صاح من هواه وسكره ... ألا إنه هو (المحب) المتيم
ومذ جذبت أيدى الحبيب بضبعه ... غدا بلسان الحال عنه يترجم
ولو كان كل ميت كمحمد ... لهان على الناس الذى هو أعظم
فيا ليتنى لو كنت عند احتضاره ... أقبل ذاك الكف منه وألثم
ويا ليتنى لو كنت عند محمد ... إذا ما هم صلوا عليه وسلموا