الفقيد، وفى الحقيقة الداعى له لذلك هو ما لحقه من الغيظ والكمد على عدم جلوسه على أريكة الملك، لأنه كان يرى أنه الأولى بها والأحق.
ولما بلغ خبر فعلته الشنيعة لأحمد بن موسى الوزير المترجم سابقا أسرها في نفسه، وكانت النتيجة عزل المترجم عن وظيف الخلافة وترحيله لمكناس مسقط رأسه، مثقفا لا يخرج من المحل المعد لنزوله من القصور السلطانية حتى لصلاة الجمعة مدة حياة الوزير المذكور.
ثم لما انتقل لما قدمت يداه وتولى الوزارة بعده ابن عمه شيخنا الحاج المختار الذى كان وزيرا للمترجم مدة خلافته، خففت عنه وطأة الوثاق وسوعد على الخروج للاستحمام فقط، تحت مراقبة عامل البلد، ولم يزل الأمر ينحل شيئا فشيئا إلى أن حل ركاب السلطان بالحضرة الفاسية، ولم يأل المترجم جهدا في اتخاذ الوسائل للتقرب من السلطان والتودد لجنابه، ولو بالوشاية بغيره، وكان يعرف من أين تؤكل الكتف فوجه السلطان عليه لفاس وأنزله بدار من دور أقارب أحمد بن موسى المذكور، ولم يزل يتودد ويتحبب إلى أن وجه لقضاء مأمورية بأحواز مراكش والخليفة إذ ذاك بها هو صنوه السلطان السابق المولى عبد الحفيظ، ثم لما حل بمراكش آواه المذكور وأحسن إليه، والمترجم ينوى له النوايا السيئة ويتمنى كينونته مكانه، فصار يتربص به الدوائر وينصب إليه أشراك الأذى ويبالغ في الوشاية به، والحال أن للخليفة المذكور بالبساط السلطانى عيونا تطير له الإعلام بكل شاذة وفاذة، حتى إنه ربما وجهوا له مكاتيب المترجم بالوشاية به للسلطان، فلما تيقن ذلك قام على ساق في التضييق به وسد دونه سائر الأبواب التي يظن وصول النفع منها إليه، حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت وباع جل أمتعته فيما يقتات به، ورجع لفاس صفر الكفين لا يملك درهما ولا دينارا، ولم يزل من ذلك الوقت في كمد ونكد إلى أن ختمت أنفاسه.