ثم نهض إلى قبيلة التسول فتفرقت أتباع المتمرد الزنيم في وعر تلك الجبال ورموا بالقنابل المحرقة وشدد عليهم في الحصار، ولكن لم يمكن اجتثاث أصل عيثهم بالكلية حيث حان إبان (١) البرد والمطر، ورأى الأمير أن تمادى جيوشه على الحصار فيه أعظم خطر، انقلب إلى فاس وكتب لإيالته بشرح أسباب أوبته ودونك لفظ ما كتب به بعد الحمدلة والصلاة.
وبعد، فقد كان الغرض من نهوض ركابنا الشريف هو القيام بما أوجبه الله من إخماد فتنة المفسدين، وتربية قبيلة التسول وأشكالهم المعتدين، وقد خيمت جيوشنا السعيدة على أوديتهم وهضابهم، وخفقت بنودنا المنصورة على جبالهم وشعابهم، ونحن نحاول استرجاعهم من الغى إلى الرشاد، ونسترعى عليهم قبل أن يعمهم من الهلاك ما لا يمكنهم معه استنجاد، وكررنا عليهما زحف الصوكات من جهات متعددة، وأشهدناهم أثر سطوة الله المتجددة، وضيقنا عليهم المذاهب، حتى أوهنهم الحصار في كهوف الشواهق ومغارات المسارب، وفي كل صوكة يقع فيهم عدد من الجرحى والقتلى، وتبلغ فيهم العقوبة مبلغا يزيدهم محنة وهولا ولما كان سبب تماديهم على ما هم فيه من الضيق والمحنة هو استعظامهم لما فرط منهم من الشقاق والفتنة، حتى عدوا ذلك من الذنوب التي لا تسلم من عاقبتها عواقبهم، ولم يعتبروا أن المقصود عندنا هو استرشادهم لما تصلح به أحوالهم، وتتطهر به عقائدهم.
ورأينا استمرار الحرب عليهم يفضى بهم إلى عموم الهلاك والتدمير، مع أن المراد هو إنقاذهم من مصارع الضلال بتربية واسترشاد وتحذير، وتحققنا ببقاء الفاسد الفتان في حكم العدم، من الجرح الذي لم يطق معه من تحريك يد ولا قدم.
وحل مع هذا إبان الشتاء الذي أشفقنا منه على المسلمين لاضطرارهم إلى