ولما تم الاتفاق على الوجه المذكور شرعت الشركة المذكورة في مد السكك الحديدية لسير القطار المعد لحمل الأنقاض اللازمة للبناء رفقا بالعملة وتسهيلا عليهم فاتخذ أولئك الرعاع الأخساء مكايد توصلهم لتكسير ذلك القطار شأن العتاة الأغبياء الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، المقرون تديرهم بتدميرهم وأعانهم على سوء فعلهم قرينهم اللعين.
ولما وقع القطار في شبكة مكرهم بجعلهم أحجارا وأعوادا في ممره انقلب وتكسر ومات بسبب ذلك تسعة من العملة الفرنسيين وأسبانيين وإيطاليين، فمن الفرنسيين سائق القطار وهو المسمى (ربات) ورئيس الخدمة بمعدن الحجر ثم ذهبوا للمعدن وقتلوا من وجدوا به من العملة وذلك يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الثانية عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف موافق ٣٠ من يوليو سنة ١٩٠٧.
ثم إن أولئك الهمج لم يقفوا بخبثهم عند ذلك الحد بل دخلوا البلد ومدوا يد النهب والقتل وجاسوا خلال الديار والأسواق، وعززهم من استهوته الشياطين ممن هو على شاكلتهم من العسكر المخزنى المنظم الذي كان هنالك وأخلاط أهل البلد، فلم يتركوا بابا من أبواب الفحش إلا وطرقوه، ولا نهجا من مناهج الفسوق إلا سلكوه، نهبوا الديار والدكاكين والأبناك والملاح وأوقدوا النار في جميع تلك الأمكنة، وبالأخص جهة باب الرخى، وذلك بعد نهب ما بها من أموال ومتمول، ودام القتل والهرج والمرج بالبلد ثلاثة أيام بلياليها فعظم الخطب، واشتد الكرب، والولاة الذين بيدهم السلطة المخزنية أغلقوا عليهم أبواب بيوتهم وناموا وتركوا عيون العدا ساهرة.
ولما تلاطمت أمواج الفساد، واضطرمت نيران الفتن وماج الناس بعضهم في بعض وبلغت القلوب الحناجر، واختلط الحابل بالنابل، وجهت الدولة الفرنسية إحدى بوارجها المعدة للمياه المغربية المسماة (كليلى عدد ٦٦) حاملة لفرقة حربية