للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصرانية واليهودية والمجوسية، وكان قد بقى منهم بقية متحصنون بالمعاقل والجبال والحصون المنيعة، فلم يزل يستنزلهم ويقفو أثرهم حتى اعتنقوا الإسلام بالطوع والكره، وأباد من بقى منهم متعصبا بعد أن فتح مدائنهم ومعاقلهم.

ولما امتد نفوذه بتلك الأصقاع رجع لمدينة وليلى فدخلها في النصف الآخر من جمادى الثانية سنة ثلاث وسبعين ومائة، فأقام بقية الشهر بها، والنصف الأول من رجب.

ثم ظعن برسم غزو تلمسان، ولما وصل إليها أقام بظاهرها حتى أتاه أميرها محمد بن خزر بن صولات المغراوى الخزرى وطلب منه الأمان فأمنه وبايعه هو ومن معه بتلمسان من قبائل زناتة وغيرهم، فدخل المدينة صلحا، وأمن أهلها وبنى مسجدها وأتقنه وصنع فيه منبرًا، وكتب عليه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم وعنا به.

فتم له الأمر ودانت له رقاب أهل المغرب، ونشر الإسلام فيه على يده، ولم يتفق هذا الفتح الباهر الباهض قبله لأحد حتى لعظماء القياصرة ذوى العدة والعدد والقوة والبأس الشديد، ورجع إلى وليلى وقد امتدت إمارته ما بين نهر شلف إلى وادى نفيس. وقد وفد هذا الإمام للقطر الإفريقى الوافر العمران المتعدد الشعوب والقبائل واختلاف ألسنتها وأديانها وأهوائها وآرائها وتمنعها وعصبيتها، وهم أكثر من أن يحصوا، قال ابن خلدون: وكلهم بادية وأهل عصائب وعشائر، وكلما هلكت قبيلة عادت الأخرى مكانها وإلى دينها من الخلاف والردة.

والحال أن مولانا إدريس في هذا الوطن غريب (ناء عن الأهل صفر الكف منفردا) لا زاد ولا مال، ولا استعداد ولا عشيرة، ولا تقدم له معرفة بأحوال البلاد ولا يعلم لهم لسانا، ولا يعرف منهم إنسانا، ودولة بنى العباس في عنفوان شبابها ذات سطوة قاهرة، وأساطيل متكاثرة وجيوش ذات قوة وبأس شديد، وكلمة نافذة

<<  <  ج: ص:  >  >>