للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسموعة، سوت بين الأحرار والعبيد، ولم تأل جهدا في اقتفاء أثره والرغبة في إلقاء القبض عليه، والبطش به حيثما وجد، وبالغت طاقتها في الإغراء حتى سموه في مشموم مسموم كما هو معلوم، فلم تقدر عليه، حماية وعناية من الله له، وأتاح له سبحانه من النصر والتمكين ما لم يعهد نظيره لأحد في غابر الأزمان، فاستولى على كثير من بقاع المغرب، وبدّل لغة أهلها من البربرية إلى العربية ودياناتهم العديدة إلى التوحيد الحق، فأشرقت أنوار الإيمان بأرجاء قلوبهم، وفتح به في أقرب مدة أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، وهدى به الملايين من الخلق وأنقذهم من ظلام الإلحاد والإشراك، إلى ضياء الحق، وآثروه على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشائرهم.

وقد غزاهم قبله من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا فلم يأخذهم رواؤه، ولا نجح فبهم دواؤه، إذ قد عاد وأبعده للثورة والردة حتى قال ابن خلدون نقلا عن ابن أبى زيد: ارتدت البرابر بالمغرب اثنتى عشر مرة ولم تستقر كلمة الإسلام فيهم إلا لعهد ولاية موسى بن نصير فما بعده.

ويعجبنى هنا قول صديقنا العلامة الحافظ الشريف السيد المدنى بن الحسنى الرباطى من قصيدة (١) في عظماء المغرب مما أملى في حفلة مدرسية عام ١٣٤١ هـ.


(١) في هامش المطبوع مطلعها.
بنى قومى أفيقوا من منام ... وجدوا في المعالى باهتمام ... فما نيل المعالى بالتوانى
ولكن بالعزيمة والنظام ... لقد كنا وكان العرب قدما ... هداة الخلق من سام وحام
أناروا الكون والأقطار طرا ... بهدى لاح فجرا في ظلام ... وكنا حائزى قصبات سبق
بميدان المكارم في الزحام ... لقد سادوا وساسوا الملك دهرا ... بمصر والعراق مع الشام
وأندلس ومغربنا وصين ... وسودان وهند باعتزام ... فسل فاسا وقرطبة ومصرا
تنبيك أو فسل دار السلام ... وسل غرناطة الحمرا وشاما ... وتونس حيث تونس بالمرام وفاز الغرب. . إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>