فيا أيها المغرور والأمل البقا ... تزود من الدنيا فإنك راحل
ولا تغترر منها بحسن زخارف ... فكل سوى الله المهيمن باطل
فظاهرها للجاهلين محاسن ... وباطنها للعارفين رذائل
وما نحن إلا كالجياد بمضمر ... وتسبق في الميدان منا الأفاضل
رأيت المنايا تنتقى كل سيد ... لها كل يوم غارة وجحافل
وتردى صميم المجد من فتكاتها ... كأن لها ثارا عليه تقاتل
(تحامى الرزايا كل خف ومنسم ... وتلقى رداهن الذرا والكواهل (١)
أما وجدت عنا الخطوب معرجا ... أما ردها عنا العلا والفواضل
لقد هد ركن الصبر يوم نعوا لنا ... إمام العلا من في الفضائل كامل
وقلت لا والله ما كنت داريا ... من الوجد والأحزان ما أنا قائل
أحقا عباد الله حمدون قد قضى ... لقد ثكلتنا عند ذاك التواكل
نعم قد قضى شيخ الجماعة والتقى ... وغالته من دون الأنام الغوائل
لقد كورت شمس السيادة بعده ... وبدر العلا والمجد والعلم آفل
وهد سماء الجود والمجد واعترى ... بفقدانه أرض القلوب الزلازل
وغاضت بحور العلم بعد طفوحها ... وعاد رياض النظم والنثر ذابل
وسدت طريق السالكين إلى العلا ... وعادت طريق المتقنين مجاهل.
رزيته أزرت بكل رزية ... وفقدانه خطب لعمرى هائل
لئن كان شمسا قد هوى فوراءه ... هلال بآفاق السيادة كامل
(١) في هامش المطبوع: "البيت الأول لأبى العلا المعرى ضمنه المترجم وأجاد" ..