فلما تبدد أتباع المولى عبد الرحمن ذهب ولده مولاى الكبير هذا في اثنى عشر فارسا لاستصراخ بعض الفرنسيس النازلين وقتئذ على بنى يزناسن لأمر بينهم، فوافقوه على الانتصار له، أى بعد أن تظلم إليهم ووعدهم المغانم، وأكرموا نزوله عند المسمى عبد القادر بن داود، وأوصوا هذا بمرافقته لوهران، ثم ارتحلوا عن بنى يزناسن إلى وجدة متهمين أهلها بممالأة بنى بزناسن، ووظفوا عليهم ذعيرة يدفعونها في أجل ثلاثة أيام فدفعوها.
وارتحل الفرنسيون عنهم لتلمسان، فكان أول عمل لهم بها أن ضربوا السلك لملكهم يخبرونه بأمرهم مع مولاى الكبير، وأنهم قبلوا ما عرضه عليهم من النجدة والانتصار، فأجابهم بإنكار عملهم هذا وعاتبهم عليه فندموا على ما فعلوا إلا واحدًا منهم يقال له "القبطان عك" حاكم عرب وهران، كان هو المشير بقبول الانتصار، فإنه أكد على عبد القادر بن داود في إكرام ضيفه، فبقى مولاى الكبير عندهم أربعة أشهر إلى أن كانت نتيجة مساعى عك وغيره أن أعين بأربعة آلاف ريال له وألف لأصحابه يدفعها لهم بعض الأغوات إن مروا به ويرجعوا لوطنهم.
فخرج مولاى الكبير من وهران، وأخذ ما ذكر ورجع لوطنه فبقى به ونفسه متعلقة بالملك، إلى أن سمع بموت السلطان سيدى محمد فأراد انتهاز الفرصة فسافر من أهله بعد أن سمع ببيعة مولاى الحسن، واجتمعت عليه البرابر وغيرهم، وسار إلى أن نزل بآيت عياش فتهافت عليه البربر والعرب -وكان مولاى الحسن يومئذ برباط الفتح- وبقى بها مدة ووفود البربر تذهب وتجئ وتبشر من وراءها بخبره، فاجتمع عنده خلق كثير من بنى مكيلد، وبنى مطير، والغرابة، زيادة على من كان عنده، فاستكثر الغرابة عدد أتباعه وراودوه هو وإياهم على أن يعينوهم على قائدهم "محمد اسعيد ابربر"، فاعتذروا ووعدهم بالانتصار لهم بعد تمام الأمر، ولكنهم لم ييأسوا بل ألحوا عليه وعلى البربر وهم يجيبونهم بأن زمامهم بيد الشريف.