وسمع المولى إسماعيل بنزول المولى الكبير بذلك الموضع بتنبيه كان عنده على ذلك، فأرسل إليه الشريف سيدى محمد بن محمد الأمرانى آتى الترجمة لمعرفته بلغة البربر واطلاعه في جل الأمور على مقاصدهم ليعظه ويذكره بفشل قضية أبيه، وأنه كان منتهى أمره أن خرج من أرض السلف إلى (صفطل) وهو محل بنى مكيلد، ففعل ذلك ووعده بصلة يأتيه بها من مولاى إسماعيل، فاتعظ وتذكر ورجع الأمرانى بعد أن شرط عليه أن يمكث بمحله حتى يعود إليه، فلما بعد عن ذلك المحل وجد رجالا من الغرابة فأخبروه بامتناع مولاى الكبير من نصرتهم وطلبوا منه التوسط بينهم وبين مولاى إسماعيل ليطلب من مولاى الحسن إنقاذهم مما هم فيه مع (محمد اسعيد ابربر) لأنه أطلق عليهم إخوانه آيت حلى فنهبوا أموالهم ومزقوا أعراضهم، وتكفلوا للسلطان بأمر مولاى الكبير حتى يسلموه إياه حيا أو ميتا.
فسار بهم الأمرانى معه لفاس، فلما التقى بالخليفة أخبره بما كان منه مع مولاى الكبير وما كان من الغرابة فاستصوب عمله مع هؤلاء وقبل طلبهم والتزم الوفاء به كما التزم الغرابة الوفاء بقولهم، ولكنهم لما رجعوا وجدوا قومهم قد عرقبوا على مولاى الكبير وأصحابه ساعة غيبتهم، فسار معهم وانتقل من الدار التي كان بها إلى دار قريبة من آيت حلى، أما الأمرانى فإنه رجع بغير صلة لما كان من أمره مع الغرابة فوجد مولاى الكبير قد خالف شرط عدم الارتحال، فاتخذه عذرًا لعدم الإتيان بما وعد، فلما التقيا لامه على الارتحال فأجابه مولاى الكبير بما يخالف ما كان بينهما: إن هذا ملك أبي وجدى فلا أسلم فيه، فسكت الأمرانى فرحا بظهور النكث من جانب الآخر معتمدا على ما أبرمه مع الغرابة، ورجع وتركه وكان محمد اسعيد، قد استعد مع إخوانه آيت حلى لمقابلة الضاربين على حللهم، وتواصوا على مكيدة دبروها.