ابتدأهم أهل الزيغ بالضرب حتَّى يحيط بهم محاله الوافرة العدة والعدد إحاطة السوار بالمعصم.
ثم لما كان الغد نهض السلطان ونظم الجيوش أبدع نظام، ودخل شعبة كبيرة شديدة الوعر وسط غابة عظيمة وجعل العسكر عن يمينه وشماله بأعلى تلك الشعبة بحيث لا يغيب عنه كمين ولا آت، وأدخل المال والذخائر مع رايات عبيد البُخاريّ، وأحدقت بالجميع خيول الجيش من مسخرين وشراردة ووداياً، وقدم أمام الكل قبته وأخبيته مع فرسان ورماة القبائل التي كانت في معيته كزيان وجروان، وجعل وراء الجميع في الذنب رئيس عساكره خاله أبا عبد الله محمد الصَّغير مع العساكر التي إلى نظره من خيل ورماة وعدد عديد من المدافع.
ثم سار السلطان في تلك الشعبة الطويلة العريضة حتَّى اقتطعها، وخرج في فسيح متسع الأكناف كثير الخصب والزرع، فأمر بالتخييم هنالك فنزل النَّاس وضربوا الأخبية واستراحوا، ونزل السلطان تحت جدار قصبة هنالك لبعض الأشراف ريثما يتم ضرب أخبيته وفساطيطه.
فبينما هو ثم إذ ورد عليه فارس من قبل رئيس العساكر المذكور يخبره بنشوب البارود بين العساكر وبين عتاة المفسدين، فأمر بإسراج خيول المحلة المسومة وتوجيهها لإعانتهم ثم بمجرد دخول المترجم لأخبيته هجم العسكر الذي بالمحلة السلطانية على قصبة أولئك الأشراف ومدت فيهم أيدى النهب والسلب ووقع الضرب بالبارود ظنًّا منه أنهم من أهل العصيان، فخرج المترجم مسرعاً وأمر بكف العسكر وسب وجدع وجبر كسر المبغوتين بإفاضة سجال العطايا التي غمرتهم، وصيرت الشرور في العين لديهم سرور.
أما الخيل التي وجهت لإعانة كبير العساكر فإنها ما سارت غير قليل حتَّى وجدت العساكر مولية وجهتها للمحال السلطانية ظافرة منصورة بعد أن طمع فيهم