البغاة المتمردون، وحسبوا أن ذلك الذنب كله طعمة لهم باردة، فعند مبارحة السلطان بما كان معه العساكر والخيول والرماة طبق ما وصفنا عن الشعبة المذكورة أشرف المفسدون على ذنب الجيش من قنن تلك الجبال.
ثم إن رئيس العساكر لما عاينهم أمر من معه من العسكر بسلوك تلك الشعاب.
ولما رأى البغاة العسكر ينزل من الأعالى ظنوا أنَّه ذاهب لحال سبيله، فصاروا ينزلون إليه من صياصى الجبال كأنهم جراد منتشر، فهجموا عليهم ووقع القتال بين الفريقين وصار العسكر يتأخر كأنهم منهزمون، فازداد طمع العدو فيهم، فلم يشعروا حتَّى قطع العسكر من خلف، وصار كور المدافع ينصب على البغاة ودهمتهم خيول العسكر فروا فوجدوا رماة العسكر قد عمروا سائر المسالك فأثخنوا طعناً بالرماح وضرباً بالسيوف وتشتتوا شذر مذر، فسر المترجم بذلك سروراً ليس عليه من مزيد، وحمد الله وشكره على ما منح من الفتح والظفر، بمن حاد الله ورسوله وطغى وفجر، وكتب بذلك الظفر إلى سائر أقطار رعيته، وإليك نص ما كتب به لباشا مكناس بعد الحمدلة والصلاة والتحلية:
"حم بن الجيلانى وبعد فإننا بحول من بيده الفتح والنصر والظفر والتمكين، والحول والقوة والطول المكين، لما نهضنا من بعض المرحلات التي بغضون جبال فساد بنى مجيلد وخرجت المحلة سالمة من شغب بعض غاباتهم الصعبة زاغ من أراد الله هلاكه منهم في هاتيك الشعبة، فناوشوا بعض من بقى مع أثقال المحلة بقتال فاشل مأخوذ، علماً منهم بأنهم لا قبل لهم بالجيوش المنصورة بالله، ولذا بقى زعيمهم في ميدان الاقتناص منبوذاً، وكان الذي جرأهم على ذلك وغيرهم ما كان صدر منهم قبل في الدار الأخرى، وحيث عرفوا المقصود من التوجه لأعز أماكنهم وقصورهم التي هي بملوية التي هي مستوء أموالهم وخيلهم وأسلحتهم