للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد استفيد مما تقدم أن أكثر سكان المغرب من قبائل البربر، وعليه فلا ريب أنهم ممن ينسحب عليه ذيل القوم الذين وجدهم ذو القرنين عند مغرب الشمس الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى في محكم ذكره لكل ما يعاملون به من الخير وضده كما قال جلت قدرته: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا (٨٥) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (٨٦)} [سورة الكهف آية ٨٦، ٨٥].

قال الشيخ زروق في القواعد: لكل بلاد ما يغلب عليها من الحق والباطل، فإذا أردت أن تعرف صالح بلد أي أن تقف على الحقيقة فيما ينسب إليه من الخير والدين فانظر لباطل أهلها، أي الذي غلب على أهلها من الأوصاف المذمومة شرعا هل هو بريء منه أو لا؟ فإن كان بريئا منه فهو ذاك، أى فهو صالح كما يقال عنه، وإلا بأن كان غير سالم من تلك الأوصاف الرذيلة القبيحة في عين الشرع فلا عبرة به، أي لأن مشاركته لهم في باطلهم هي عنوان مساواته لهم في ضلالهم، فلم يتميز حينئذ عنهم بصلاح حال ولا بزكي من الأفعال، فمن أين يكون صالحا فيهم، وبحسب هذا فاعتبر في أهل المغرب الأقصى من الأوصاف المحمودة شرعا السخاء وحسن الخلق، أي لأن الباطل الغالب على أهله هو الشح وسوء الخلق، فإن وجدته أي فيمن ينسب لصلاح منهم فاعلم أنه كما يقولون، وإلا فدع أي لكونه من جملة أهل ذلك الباطل الذين تطلب أنت ضدهم، وفي أهل الأندلس كذلك، وفي أهل المشرق الغيرة لله وسلامة الصدر، لأن الباطل الذي غلب عليهم هو الأضغان والأحقاد وعدم الغيرة الدينية إلى غير ذلك، وقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا الأصل أي ما غلب على أهل البلاد من خير أو شر فذكر أوصاف البلاد. وعوارضها كقوله في المشرق: الفتنة ها هنا. وكذا نجد، وفي الفرس: لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس، وفي أهل اليمن: إنهم ذوو أفئدة. وفي أهل المدينة: إنهم خير الناس مع ما وصفهم الله به من قوله: يحبون من هاجر إليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>