في أراذلهم بخلاف الأغنياء، فإن في كثير منهم السماحة المفرطة والمفاخرة بإطعام الطعام والاعتناء، بالفاضل والمفضول (١).
قلت: وما وسم به أهل جبال درن هو الشائع عنهم لحد الآن، وخصوصًا عن جبابرة رؤسائهم، وأما التهور والمفاتنة فقد كان ذلك ديدنا شائعًا في نواحي المغرب الأقصى وخصوصًا عند أهالي البدو من بربره إلى أن أخمدت جل ذلك جيوش الحماية، وهذه السمات وأمثالها هي التي تأهلوا بها بعد الإسلام للدخول تحت قوله تعالى:{إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ}، ولكنهم قد اتصفوا مع ذلك بسمات حسنة التي منها السماحة المتقدمة في كلام ابن سعيد وإن خالفه ما تقدم عن زروق، ويمكن الجمع بينهما بحمل كلام كل واحد منهما على جهة من المغرب الأقصى مخصوصة، وإن أطلق كل واحد منهما في العبارة، ولكن الجمع يتعين عند الإمكان ومنها غير ذلك من الفضائل والفواضل التي امتاز بها المغرب على غيره وحفظها التاريخ، وبمثل ذلك تأهلوا بعد إسلامهم أيضًا للدخول تحت قوله تعالى:{وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا}، فإن قلت مقتضي التخيير استواء الطرفين مع أن المسلم إذا أتى أحد الأمور الداخلة تحت قول الحديث السابق إلا بحقها من كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل معصوم، فقد ارتهن في موجب حد، وقد تقرر أن الحدود لا يسوغ شرعًا التساهل فيها، فأين التخيير حينئذ؟ قلت: التخيير الحقيقي الموافق لظاهر الآية هو فيما عدا ما يوجب حدًا من حقوق الإسلام، وأما التخيير فيما يوجب حدًا فهو بالنظر إلى قتل النفس حقيقي أيضًا، لأن الولي له العفو فهو مخير، وأما حد الكفر، فإنما يتعين إن لم يتب، وأما إن تاب وراجع الإسلام فلا، وهذا أيضًا تخيير بالنظر إلى مرتكب ذلك بين الرجوع عما صدر منه فيخلي سبيله وبين الاستمرار عليه فيقام عليه الحد فهو تخيير في الجملة.