وكذا الزاني بعد إحصان، فإنه إن ثبت عليه ذلك بإقرار، له الرجوع عنه، فهو في التخيير على وتيرة الذي قبله يليه، وإن لم يكن تخييرًا بالنسبة للحاكم الذي هو مقتضى الآية، ثم إنك إذا أعطيت النظر فيما سبق حقه تجد سائر الأقطار الإسلامية أهلها بهذا الصدد فيهم الخير والشر والفاضل والمفضول، وإنما تمايزت الأقطار والجهات بكون الخير أو الشر الذي في جهة غير ما يكثر منها في جهة أخرى، وهذا هو الذي سبق مشروحًا في كلام زروق.
وبهذا البيان يلوح لك أن آية تخيير ذي القرنين في أهل المغرب حالة كفرهم هي من أعظم مناقب المغرب وأهله، بحيث كانوا بوصف قاض عليهم بالتعذيب لا غير، ومع ذلك نصت الآية على أن العدول عنه لاتخاذ الحسنى فيهم هو أمر لا تأباه قوالبهم، ولا تقصر عن استحقاقه عواملهم، فالشر الحالي وقتئذ وبعدئذ فيهم عارض، والخير هو العرق الأصلي النابض، وكذلك كان ويكون فإنهم لا يدلون دلالة ثقة عارف ماهر على خير إلا وقصدوه، ولا يحملون حمل مجد راسخ على صلاح حال إلا وتشبثوا به وألفوه.
ولهذا جاء في بعض روايات حديث الطائفة التي لا تزال ظاهرة على الحق أنها بالمغرب، وعضدت ذلك رواية لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة، واللفظ محمول على حقيقته حتى تدل قرينة على أن المراد خلافه أو يؤدي ظاهره إلى محال، فعند ذلك يتعين صرفه عن الظاهر، على أن الحديث شامل لأهل المغرب حتى على صرفه عن ظاهره في بعض تأويلاته.
هذا ولكون ياقوت الحموي شرقيًا ضدا للمغرب وأهله أساء في معجمه حيث تكلم على البربر الذين هم معظم سكانه فأورد آثارا في ذمهم لا توجد في الأصول المعول عليها، ولا تكاد تصح عند ذوي الأنظار السليمة لمضادتها للأصول المقطوع بها، ولم يكترث بما ورد في إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكثر سواد ذلك