للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكلمات أضافها لابن حوقل التاجر تنبيء عن سفه القائل والناقل، من حيث إن لكل ساقطة لاقطة ونطق الأراذل العوراء

من يعن بالمجد لم ينطق بما سفه ... ولم يحد عن سبيل المجد والكرم

والعيان مكذب لتلك التقولات، ومنزه للملموزين بها عن سفسافها، والنادر إن وجد لا حكم له، إذ لا يحسب الخلق السيئ على الأمة إلا إذا كان فاشيًا عند أفرادها مألوفًا عند جميعهم، يفعله فاعله منهم من غير أن يحاذر نكيرا أو يخشى لومة لائم، لا يخالفه أحد منهم إلا مستترا، ويخاف المذمة إن ظهر بالمخالفة أمام الجمهور.

فإن كان الخلق السيئ يتصف به فرد أو جماعة يستترون به أو يعلنونه مع اشمئزاز الجمهور منهم، كانت المذمة قاصرة على الفاعلين لا تعدوهم إلى الأمة بأسرها، وحينئذ يكون من الخطأ الفاحش ما ألصقه ياقوت بجنب الأمم البربرية ونبهنا على ذلك هنا لئلا يغتر به الجهول ومن في قلبه مرض ويقع في مهواة مرتعه الوخيم، وقديما حذر الناصحون من الاغترار بكل ما في بطون التواريخ حسبما مر بك فيما أسلفناه من التنبيه على ذلك في المقدمة فلا تغفل.

وقد وقع لصاعد الأندلسي وهو من أهل القرن الخامس في كتاب "طبقات الأمم" (١) أن البربر خصهم الله بالجهل والطغيان ومراده جهل العلم الفلسفي الذي هو موضوع مدحه وأن البربر لم يستنبطوا شيئًا منه بعقولهم قديمًا ولا عرفوا بالمهارة فيه.

وأقول: العلم الفلسفي لم ينفرد البربر بالخلو عنه بل قد شاركهم في الخلو عنه قديمًا أمم كثيرة، منهم العرب الذين هم أشرف الأمم حسبما تظاهرت على


(١) طبقات الأمم - ص ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>