للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الأدلة، وخلو العرب من العلم الفلسفي هو بشهادة صاعد نفسه، إذ قال (١): فهذا ما كان العرب من المعرفة، وأما علم الفلسفة فلم يمنحهم الله شيئًا منه، ولا هيأ طباعهم للعناية به ... إلخ.

وحينئذ فالفلسفة إن كانت شرفًا فالمصيبة إذا عمت هانت وإن لم تكن كذلك وهو دليل خلو شرف الأمم عنها فقد طهرهم الله منها، ولذلك لما فتح الصحابة - رضوان الله عليهم - بلاد فارس زمن ثاني الخلفاء الراشدين الفاروق رضى الله عنه ووجدوا الكثير من كتب الفلسفة بها، وكتب إليه أمير الجيش سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه يستشيره فيما يفعل بها؟ أجابه بقوله: اطرحوها في ماء يمحوها فإن يكن فيها خير فقد أغنانا الله بأهدى منه، وإن يكن شرًا كفانا الله إياه، انتهى.

فامتثلوا ما أشار به من إعدامها بغرق أو حرق نقله ابن خلدون وغيره.

وأما تفرقة صاعد بين العرب والبربر بأن العرب كانت عارفة بفنون لغتها فهي مردودة بأن كل أمة ذات لغة كذلك، وشفوف لغة العرب تابع لشفوف أهلها وتأكد بورود الكتاب والسنة موافقين لها، فإِذَنْ إنما فزع صاعد لإظهار تلك التفرقة بين العرب وغيرها من الأمم الخالية عن الفلسفة قديمًا ليدفع الشناعة اللازمة بأن ما ذم به البربر واقع في العرب أيضًا، فكأنه يقول العرب وإن خلت عن ذلك فلها علم في الجملة وليس ذلك بدافع لها عنه، لأنه إنما يمدح بما شرف بنفسه عنده وهو الفلسفة لا بما شرف بغيره، ولأن البربر لما علموا من الشرع شفوف فنون لغة العرب سارع علماؤهم إليها حتى حصلوا على ما أدركته العرب منها، وقبل الشرع لم يتقرر شفوف لغة على أخرى، وكل الأمم كانت على علم من فنون لغتها، فلا وجه حينئذ لتلك التفرقة على أنه وإن تستر بتلك التفرقة أَوَّلاً فقد وقع في الشناعة التي فر منها ثانيًا بقوله فلم يمنحهم الله ... إلخ، فصار ذا ما بذلك للفريقين وكفاه بذلك قبحًا.


(١) طبقات الأمم - ص ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>